
عصر البدائل
دائما ما كان يتميز القُطر المصري بالتفرّد والسبق، البصمة المميزة للعِرق المصري التي حارت الدراسات والأبحاث في تفسيرها، ولكن بعد هجرة العلوم إلى اليونان ومنها إلى باقي أوروبا ومنها إلى أمريكا وأصبحت تأتى إلينا من هناك بعد إعادة تدويرها مرة أخرى، أصبح الأمر مختلفاً تماماً، بدأ الأمر بمسح ما في الذاكرة من كثرة الانبهار بالخواجة، أعقبه ضعف في الشخصية نتيجة الخوف.... تلاه تسارع نحو التقليد، فالرغبة في التقدم تتقلص أمام سهولة المحاكاة.
صادفني مقطع للفنان الراحل صلاح السعدني في فترة ما قبل صفحات التواصل الاجتماعي يتحدث فيه عن نظرية الشبهية، وهي في مضمونها فلسفة عمل المؤسسات آنذاك مثل المؤسسات الرياضية والفنية، ولعل فلسفته كانت خاصة بعدم إتقان تقليد مضمون الأشياء، تعليق العمدة على هذا النحو في تلك الفترة يضعنا أمام عقلية فلسفية رائعة وتحمل في طياتها تخوفا على أغلب الظن قد رآه قبل وفاته.
أصبحنا الآن نرى على القنوات الفضائية المصرية الخاصة منها والحكومية برامج تستضيف أشخاصاً يشبهون لاعبي الكرة الأجانب وممثلين مصريين، فالموضوع بدأ من اعتزاز اللاعب بأسماء أجنبية للتشبه بقصة الشعر فقط أو لون البشرة على غرار نيدفيد وبيكهام وميسي ونيمار وآخرون.
قد يسيطر على اللاعب الرغبة في جنون الشهرة السريعة فيطلق اسماً غير اسمه على نفسه.... حسنا.... بعد أن كانوا يعتزون بأسمائهم مثل خشبة والحديدي وأبو الدهب وغيرهم كُثر، فيدر عليه شهرة في سرعة تذكر اسمه أو تردده أو البحث عنه لمعرفة هل ما إذا كان يستحق هذا الاسم أم لا.... ممكن! مقبول!
لكن أن تكون أقصى إنجازاتك في الحياة أنك تشبه إلى حد ما إمبابي وميسي وفان ديزيل، بل وتسعى أيضاً للظهور الإعلامي وتتجاوز كل هذا حتى يلجأ إليك المعلنون للإعلان عن منتجاتهم لأنك الأرخص ولست الأصلي!!!!! فهل يوجد هزل أكثر من ذلك؟
هل وصلنا لمرحلة بطالة فكرية في عدم التفكير في أي إنجاز سوى أن أتباهى أنى شبيه الفنان العوضي أو رمضان؟ هل أقصى إنجازاتك أنك تشبه أليسون بيكر وإمبابى وباقي منتخب العالم؟ هل كل إنجازاتك أنك تظهر في الإعلان لأنك الأرخص؟ فالمعلن لا يقوى على دفع أجر نيمار وميسي.
لم تنته صدمتي عند هذا الحد!!! فقد تجاوزت بخيالي إلى أبناء هذا الشبيه، هل يسره إذا ما تكلم معه أصدقاؤه عن إمكانية أن نلتقط صورة مع والدك شبيه فلان؟ هل هذه هي الشهرة التي نبحث عنها؟ هل هذا هو الحلم الذي نبيعه لأبنائنا؟
هل أصبحنا في رحلة بحثنا عن المال نطمس هويتنا وكرامتنا الإنسانية، هل خلقنا الله حتى ننتظر أن يشتهر شخص بمجهوده ليفرح آخر أنه شبيه له؟ هل هذا ما تورثه لابنك؟ أنك شبه فلان؟
قد ترى أن الأمر عبارة عن باب رزق قد تم فتحه أمام هذا الشخص، قد أحسبه كذلك إذا كان هذا الباب فُتح أمام الشخص بالصدفة ولم يسع لترويجه لأنه لديه بعض من عزة النفس والكثير من الأعمال وأكل العيش الذي يفتح له البيت، لكن الترويج الكامل للشبه العظيم بيني وبين اللاعب أو الفنان هذا أمر آخر.
لا أعلم إذا كان استغلال الشخص للتشابه بينه وبين النجم الأصلي في التربح وعمل الإعلانات على حسب أنه هو الأصلي يعاقب عليه قانون الملكية الفكرية أم لا ولكن من الواضح أننا أمام اختراق كامل لحقوق الملكية "الوجهية" أو الجينية أو حتى ملكية الهوية وهو انتحال هوية الشخص الآخر.
ولكن من المؤكد أننا أمام انحدار في الهوية والأهداف والطموح، انحدار في قيم المجتمع الذي يصفق لهؤلاء ويمنحهم المشاهدات ليجنوا منها الشهرة الزائفة، من المؤكد أن البدائل والمتشابهات والشبهيات هي سمة هذا العصر والعصور القادمة إلا إذا اتخذت أنت القرار بعدم متابعة الأشباه، هذا قد يحدث الفارق، فلا قانون يملك المنع ولا لوائح تمنح الحق، عصر البدائل هو منتصف عصور الفوضى الهدامة.
علاوة على هؤلاء نجد كثيرين ممن ينفذون أعمالاً مرئية على مواقع التواصل الاجتماعي منها توجيه النصح والحديث عن أمور علمية وغيبية أو فيزيائية أو حتى دينية، وهم لا هذا ولا ذاك بل يسعى للشهرة فقط، يسعى للمال بعد الشهرة فقط، فلا ضرورة من التعليم والتثقيف ولا ضرورة من الدراسة والقراءة طالما لديك القدرة على ركوب التريند، وتعبئة محتوى بغير علم، فهو شبيه المتعلم والمعلم.
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (الكهف:104)

الأكثر قراءة
-
شهود عيان بحادث بنات أبو تلات: تشاجرن مع مسؤولي الشاطئ قبل نزول البحر
-
الأعمار بين 15 و20.. أسماء المصابات في حادث شاطئ أبو تلات
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين تعلن التصعيد.. والمظاهرات تشعل تل أبيب
-
واجه الموت لينقذ شابًا.. ماذا قال بطل مزلقان بني سويف؟
-
احذرها.. أطعمة تهدد القلب والأوعية الدموية
-
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القليوبية الدور الثاني.. رابط مباشر
-
وظائف هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء 2025.. التفاصيل الكاملة
-
عصر البدائل

مقالات ذات صلة
البؤساء.. رؤية فلسفية تتجاوز الزمن
16 أغسطس 2025 05:14 م
أكثر الكلمات انتشاراً