الأربعاء، 27 أغسطس 2025

11:43 ص

اغتيال الحياء.. من كوكب الساحل إلى بيوتنا

لم يعد الصمت ممكناً. فما يأتينا من صور ومقاطع ولقطات من على “كوكب الساحل البغيض”، لم يعد مجرد سلوكيات شخصية يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها، بل أصبح حملة ممنهجة لتصدير العهر والانفلات تحت ستار “الحرية” و”التمدن” و”الحداثة”.

إننا أمام مشاهد فاضحة لا تعرف للحياء طريقاً، ولا تمتّ بصلة لا للثقافة ولا للفن ولا للثروة ولا لأي قيمة يمكن أن يُفاخر بها مجتمع. نحن أمام فجور مُعلَن، يزداد عاماً بعد عام جرأة وفجاجة، حتى صار التطاول على القيم والذوق العام يُسوَّق وكأنه أمر طبيعي وعادي.

والمؤلم أن هذه المشاهد تُبث وتُوزَّع وتُلمَّع لتُصبح “قالباً اجتماعياً” يُراد له أن يفرض نفسه على أجيال كاملة. يريدون أن نعتاد رؤية الفحش والعري والابتذال، حتى نصحو يوماً لنكتشف أن الحياء قُتل، وأن العادي أصبح غير عادي، وأن الانحراف صار “نمط حياة” يتغنى به البعض ويصفق له آخرون.

الخطير في الأمر أن من يقومون بتصدير هذه الصور لا يكتفون بأن يعيشوا حياتهم الخاصة كيفما شاؤوا، بل يريدون أن يفرضوا على المجتمع بأسره تقبّل هذا الانحلال، بل والتطبيع معه، وكأن رفضك أو اعتراضك يصبح “رجعية” أو “تخلفاً”! وكأن الدفاع عن الأخلاق صار تهمة، بينما الفجور صار “حرية شخصية” يُحتفى بها!

وأنا هنا أعلنها بوضوح: ما يُبث ليس حرية شخصية، بل اعتداء صارخ على الذوق العام وقيم المجتمع. ما يُعرض على الملأ لا يخص أفراداً بعينهم، بل يُفرض على الجميع شاءوا أم أبوا. وبالتالي من حقي – ومن حق أي إنسان لديه ذرة غيرة أو كرامة– أن يرفض ويستنكر ويغضب ويقرف.

الحضارة الحقيقية ليست في جسد شبه عارٍ يتراقص على شاطئ، ولا في زجاجات خمر تُرفع في الهواء، ولا في مهرجانات العهر المعلنة. الحضارة في العلم، في العمل، في بناء الإنسان، في حفظ القيم، في صناعة مستقبل يليق بنا وبأبنائنا. أما ما يحدث فهو سقوط وانهيار مقنّع بأضواء وكاميرات وهاشتاغات.

لقد قالوا قديماً “اللي اختشوا… ماتوا”، واليوم نشهد أن موت الحياء لم يعد تعبيراً مجازياً بل واقعاً يُفرض علينا. والسؤال المؤلم: هل سنبقى متفرجين حتى يصبح الانحلال هو المعيار الطبيعي؟ أم أن هناك من سيقف ليقول بصوت عالٍ: كفى عبثاً، كفى فجوراً، كفى تطبيعاً للانحلال؟

إننا نعيش لحظة فارقة: إما أن ندافع عن القيم، أو أن نستسلم لتيار يجرّنا إلى هاوية بلا عودة

search