ابتسامة معلّقة على صورة قديمة
كانت تجلس أمامي، تقلّب صورًا قديمة على هاتفها. توقفتُ عند صورة لها، ثم نظرتْ إليّ وأمالت الشاشة نحوي وقالت: “شايفة؟ كنت بضحك وقتها.. بس أنا من جوه كنت مكسورة”.
تأملتُ الصورة طويلًا. الضحكة واسعة، العينان تلمعان، لا أثر لانكسار أو تعب. الصورة تقول حياة، بينما الحكاية تقول موتًا صامتًا. وهنا أدركت أن الصور ليست دومًا مرآة للحقيقة، بل أحيانًا تكون قناعًا أنيقًا يغطّي ما لا يُقال.
هذا التناقض يثير سؤالًا مؤلمًا: لماذا نصرّ على حفظ لحظات مزيفة أو ناقصة في حياتنا؟ ربما لأننا نحاول إقناع أنفسنا قبل الآخرين أننا بخير. الصورة تصبح حينها وسيلة دفاع، أشبه بمحاولة أن نمسك بلحظة ضوء قصيرة وسط ظلام طويل.
من منظور نفسي، الصور تؤثر في وعينا بطرق معقدة. حين ننظر لصورة قديمة نبتسم فيها، يتولد لدينا إحساس بالحنين، وربما شعور زائف أن الماضي كان أجمل مما كان فعلًا. هذه الظاهرة يسميها علماء النفس انحياز الذاكرة الانتقائية: بمعنى أننا نميل إلى تذكر اللحظات الجميلة، حتى لو غطّت على ما كان يرافقها من تعب وألم. لذلك لا عجب أن ننخدع أحيانًا بصورنا القديمة ونقول “كنت سعيدة” بينما الواقع كان شيئًا آخر تمامًا.
المؤلم أكثر أن الصور على مواقع التواصل الاجتماعي صارت مسرحًا كبيرًا لهذه اللعبة. كل إنسان يعرض نسخة مُصفّاة من حياته، مليئة بالضحكات والسفر والألوان، وكأنها إعلان مستمر عن السعادة. لكن خلف الكواليس هناك من يبكي بعد التقاط الصورة مباشرة، وهناك من ينهار وهو يضغط زرّ النشر.
القصة التي حكتها لي تلك الفتاة جعلتني أعيد التفكير في علاقتنا بالصور. هل هي شاهد على حياتنا؟ أم مجرد ديكور نعلّق عليه ما نتمنى أن نكون؟ ربما لا تكون المشكلة في الصورة نفسها، بل في الطريقة التي نقرأها بها. الصورة لا تكذب، لكنها لا تقول الحقيقة كاملة.
تركتني كلمتها أسأل نفسي وأسألك أنت أيضًا: حين تفتح ألبوم صورك، هل ترى نفسك الحقيقية؟ أم ترى نسخةً صُنعت خصيصًا لتبدو بخير؟ وأيهما تختار أن تصدّق؟
الأكثر قراءة
-
بالصحراوي الشرقي، التحفظ على سائق الشاحنة المتسبب بوفاة 4 قضاة وتفحم سيارتهم بالمنيا
-
موعد مباراة المغرب والسعودية اليوم في كأس العرب 2025
-
بأمر المحامي العام, النيابة تطلب تقريراً فنياً عاجلاً حول حادث القضاة الأربعة بملوي
-
تطورات حادث القضاة الأربعة، مصدر طبي يكشف سبب عدم إصدار تصاريح الدفن
-
لفتة عفوية، محافظ الأقصر يوقف موكبه لتهنئة عروسين على الكورنيش
-
بحضور الأهل والأصدقاء، محمد موافي يحتفل بزواج ابنته
-
الاستعلام عن وظائف شركة الكهرباء، رابط التقديم والمستندات المطلوبة
-
الوداع الأخير يترقب نتائج الـDNA، آخر تطورات وفاة القضاة الأربعة على طريق المنيا
مقالات ذات صلة
اشتياق لا لقاء له، وبقاء رغم الرحيل
06 ديسمبر 2025 03:19 م
ويأخذني الحنين إليك كلَّ ليلة، فأعرف أنه لا مفر منك إلا إليك
20 نوفمبر 2025 02:50 م
في القلب مكان لم يصل إليه أحد
10 نوفمبر 2025 05:08 م
على مقعد الغياب
18 أكتوبر 2025 03:04 م
لم يكن لقاءً عابرًا
28 سبتمبر 2025 06:08 م
حين يؤجلنا القدر عن الوصول
21 سبتمبر 2025 06:57 م
حين يُثبت المجهولون أن الخير لا يموت
14 سبتمبر 2025 02:52 م
الانفصال الصامت.. وجع وموت بطيء
06 سبتمبر 2025 02:51 م
أكثر الكلمات انتشاراً