الجمعة، 05 سبتمبر 2025

09:52 م

رشدي الدقن
A A

الحمار!

سعادة بالغة لو شبهوك بالحصان.. غضب وثورة عارمة لو قالوا لك “يا حمار”.. غريبة جدا مع إن الإثنين نفس الفصيلة.. الحصان والحمار يتشابهان في الشكل الخارجي، ويتشابهان من حيث أن كلاهما من الثدييّات، وتمتلك أربعة أرجل، ويتميزان بوجود أذنين عاليتين، وعينين في جوانب رأسيهما.. بالعكس بعض صفات الحمار أفضل بكثير من صفات الخيل... لكن عملية “استحمار البني آدم للحمار” جعلت منه حمارا وظل الحصان له شأن أكبر.

حكاية محيرة ومثيرة.. شيء مثير للدهشة فعلًا.. لماذا يغضب البعض من وصفه بالحمار.. يمكن لأن صوته من أنكر الأصوات. بعض  الحمير لا تنهق.. كما أن النهيق كانت طريقته قبل أن يستحمره البني آدم ويطوعه ويدجنه في الدفاع عن نفسه وترهيب المفترس الذي يقترب منه والتواصل مع الحمير من نفس فصيلته حتى لو كانت على بعد 3 كيلو... ولو صوته السبب فهل توقفت الحمير  بعد الاستحمار عن النهيق.. ما زالت تطلق صوتها فجأة بلا داعي ولا مبرر ولغير سبب واضح.

في ظني أن الحمار هو الذي يجب أن يرفض وصفه ببعض البشر، فهو يمتلك صفات حميدة وأخلاقا رشيدة وإرادة بقاء وصبر وتحمل وقدرة على التعلم والوفاء والهدوء والسكينة واحترام صاحبه وخدمته والعناية به... وبعض البشر لا عنده صبر ولا أخلاق ولا قدرة على تطوير نفسه والتعلم من أخطائه ولا يحترم الناس.. إذن من منهما يستحق أن يرفض أن يصفوه بالآخر؟!

"الحمار/ البشر" لا يتعلم من أخطائه فعلا وإلا فيشرح لي ممن يسعدون بوصفهم “جياد”، لماذا ننساق جميعا خلف الفتنة معصوبي العينين لا نشعر بالخطر.. بالمناسبة الحمير ترفض الخطر وتتجنبه... فمثلا لا يمكنك إجبارها على القفز من مكان خطر.. عكس الحصان الذي يفزع ويرتبك ويقفز بحماقة من مكان مرتفع وتكون في هذه القفزة نهايته المحتومة.

عمرك قابلت حمار يسعى لفتنة من أي نوع، كروية أو طائفية أو حتى “علفية” نسبة للعلف الذي يأكله راضيا مستكينا آخر اليوم بعد مجهود شاق لا يرحمه فيه أحد.. لكن بالتأكيد قابلت كثيرين متعصبين في كل مناحي الحياة، رياضة دين، وحتى في التحيز لنوع معين من الأكل.. يبقى من الذي من حقه الغضب؟ الشخص إذا وصفوه بالحمار ولا الحمار إذا وصفوه ببشر؟!

حتى فكرة التقدم وأن البشر كانوا مؤثرين في التاريخ وتقدموا وطوروا كل شئ ووصلوا القمر لا تعطيك الحق في استحمار الحمير.. فالحمار ركن أساسي وفعّال ومؤثر في بناء الحضارة البشرية وصناعة التاريخ، ولولا الحمير لما تقدمت البشرية وتطورت وانتشرت في بقاع الأرض... فالحمير هادئة، وسهلة التعامل، كما أنها حنونة، فهي تستمتع بصحبة البشر، وقد تعد من الحيوانات الأليفة... ورغم أن الحمير تشتهر بصفة العناد إلا أنه عناد من أجل البقاء والحفاظ على النوع وعلى الحياة.. فالحمير تستخدم عنادها من أجل أن  يحافظوا على أنفسهم، لذلك قد يعاند الحمار في موافقته على فعل شيء ما، والحقيقة أنه يعاند لأنه يرى في هذا الشئ خطورة على حياته.

الخلاصة الحمار شبيه جدًا بالخيل، لكن الحمار أفضل منه من ناحية الجسد والعقل والعاطفة، فهو رزين أكثر، ولا يفزع كالخيل، بالإضافة إلى أنه حيوان اجتماعي وله رابط قوي مع صاحبه والحيوانات الأخرى.
وفي ظني أنه لا بد أن تتوقف عن الغضب عندما يصفك أحد بالحمار.. وتتوقف عن السعادة عندما يصفك أي شخص بأنك حصان.. فالأكيد أن استحمار الحمير واستسلامها لمدجنيها، والارتضاء بصفقة ضمان استمرار العلف وتوفير المأوى الآمن، مقابل أن تقدم جهدها، وجِلدها ولحمها أحيانًا، ونسلها دائمًا.. حميرًا للمستقبل بعد أن أغراهم توافر العلف وأمان الزرائب، فقدموا لمدجنيهم ومن استحمروهم  قواهم للجر والحمل والركوب، وقبلوا التناسل في هذا الأَسر، وتقديم نسلهم حميرا جاهزة أيضا للركوب!... ظني أن هذا هو السبب الرئيسي في غضب من تصفه بالحمار.

search