السبت، 11 أكتوبر 2025

06:58 ص

إلى كل لامين يامال.. لماذا يتعلق الصبيان بالمرأة "الناضجة اللعوب"؟

في كل مرة تنتشر فيها قصة شاب صغير يقع في غرام امرأة تكبره سنا، يضجّ الإعلام بالدهشة، ويتعامل الجمهور مع الأمر كأنه استثناء غريب، بينما هو في الحقيقة مرآة لواحدة من أكثر الظواهر النفسية تعقيدًا في زمننا. 

انجذاب الشباب إلى البعض من النساء الأكبر سنًا، أو ما يُطلق عليه في الثقافة الشعبية "اللعوب الناضجة، ليس مجرد ميل جسدي أو فضول عابر، بل هو تعبير عميق عن فراغ داخلي، وعن بحث غير ناضج عن الحنان، والقوة، والإعجاب في آن واحد. 

“طفل يبحث عن أم”

كثير من هؤلاء الصبيان لا يحبون المرأة في ذاتها بقدر ما يحبون الصورة التي تعكسها لهم عن أنفسهم. فحين تكون هي واثقة مغرية، تعرف كيف تلتقط الضوء، يشعر الشاب أنه اكتسب قيمته من خلال نظرتها إليه، كأنها أكسبته شعورا  لأول مرة بأنه "مرغوب". هذا النوع من العلاقات يلبس قناع النضج، بينما هو في العمق ارتداد إلى الطفولة، إلى تلك اللحظة التي يبحث فيها الطفل عن أم تمنحه الإعجاب دون قيد أو نقد.

“مشروع اعتراف كامل”

المرأة الناضجة اللعوب بالنسبة للصبي الصغير ليست مجرد أنثى جميلة، بل هي مشروع اعتراف كامل. لذلك ينجذب إليها رغم فارق العمر، لأنها تمنحه ما لا يمنحه له أقرانه من الفتيات: لغة جسد واثقة، تجربة في الإغواء، وكلمات تعرف كيف تلامس غروره الذكوري في بدايات تشكّله. 

أما هي، في المقابل، فغالبًا ما تجد في هذا الشاب مرآة تعكس شبابها الضائع، فتستمتع بنظرات الانبهار وكأنها تستعيد بها ماضيها المؤجل. إنها علاقة فيها تبادل للمصالح العاطفية أكثر مما فيها من مشاعر حقيقية، لكنه تبادل مموّه بالافتتان. وهنا تبدأ اللعبة الأخطر: لعبة الإغواء التي لا يدركها الشاب إلا بعد أن يخسر فيها شيئًا من براءته، وربما من اتزانه العاطفي أيضًا.

"سطوة الحنان والإغراء"

القصة التي شهدها الإعلام مؤخرًا، حين ارتبط نجم برشلونة الإسباني لامين يامال في بدايات مسيرته بالمطربة نيكي نيكول، لم تكن مفاجأة لمن يفهم مفهوم  الجذب النفسي. هو شاب في مقتبل الشهرة، يبحث عن من تثبت له أنه "صار رجلًا"، وهي امرأة ناضجة عرفت من أين تُمسك بخيوط الإعجاب، فمزجت بين الحنان والسطوة في آن واحد. 

المشهد الإعلامي قد يراه حبًا استثنائيًا، لكنه في الواقع  علاقة غير متكافئة: أحد الطرفين يعيش اندفاع التكوين، والآخر يعيش دهاء الخبرة. إنها علاقة تُشعل بدايتها الأضواء، لكنها غالبًا تنطفئ في الظل حين يكتشف كل طرف أنه كان يعالج نقصًا بداخله، لا أنه وجد حبًا حقيقيًا.

“حقل اختبار للسيطرة والتملك”

يظن هنا الصبي أنه عاش قصة حب نادرة، لكنه في الواقع وقع في فخ أنثى تعرف تمامًا كيف تُبقيه معلقًا بين الحاجة إليها والخوف من فقدها. إنها لا تعطيه كل شيء، بل تمنحه ما يكفي لإبقائه أسيرًا لسحرها. والنتيجة أن يتحول الشاب من باحث عن إثبات ذاته إلى تابع عاطفي يلهث خلف إشارات القبول منها. هنا يتجلى أحد أخطر أشكال "اللعب العاطفي"، حين تتحول العلاقة إلى حقل اختبار للسيطرة والتملك، لا إلى مساحة من المشاركة والنضج.

لكن الخطورة لا تتوقف عند هذا الحد. فحين يخرج الشاب من هذه العلاقة، يخرج منها وهو محمّل برسائل خاطئة عن الحب. يبدأ في قياس النساء من بعدها بمعيار الإثارة لا العمق، ويفقد الثقة في العلاقات الحقيقية لأنها لا تمنحه نفس النشوة الوهمية التي اختبرها مع المرأة اللعوب. بعضهم يتحول إلى ساخر من العاطفة كلها، وآخرون يدخلون في علاقات متتالية يحاولون فيها استعادة “تلك المرأة” دون وعي، وكأنهم يطاردون شبحًا نفسيًا أكثر منه شخصًا حقيقيًا.

“شيطنة المرأة الناضجة”

التحذير هنا لا يعني شيطنة المرأة الناضجة أو تجريم الفارق العمري، بل هو توعية بالعلاقات غير المتكافئة التي تنشأ على أرض هشة من النقص والإغواء. فالمرأة اللعوب - بصرف النظر عن عمرها- لا تسعى إلى الحب، بل إلى إعادة إنتاج ذاتها من خلال سيطرتها على الآخر. والشاب الذي يقع في شراكها لا يدرك أنه ينجذب إلى شعور الهيمنة الذي تبثه لا إلى روحها. إنها علاقة قائمة على الإدمان العاطفي، تشبه تمامًا إدمان الشهرة أو المديح، حيث يحتاج الشاب جرعة جديدة من الاهتمام كلما شعر بأنه فقد نفسه من جديد.

“الإغواء ليس دليل حب”

لذلك، فإن النضج الحقيقي لا يقاس بعمر الجسد ولا بخبرة الحياة، بل بقدرتنا على أن نحب دون أن نلعب، وأن نُعجب دون أن نُستهلك. على الشباب أن يدركوا أن الإغواء ليس دليل حب، وأن المرأة التي تجيد اللعبة قد تكون في بعض الأحيان أبرع في الهروب من المشاعر الحقيقية. الحب لا يحتاج إلى إثارة دائمة، بل إلى أمان، والأمان لا تمنحه امرأة تبني علاقتها على اختبار سيطرتها.

إن الوقوع في غرام "اللعوبات" قد يبدو مغريًا في بدايته، لكنه درس قاسٍ في نهايته. لأن ما يلمع ليس دائمًا ذهبًا، وما يُشعل القلب لحظة قد يُطفئ فيه النور طويلًا. وكل شاب يظن أنه اختار امرأة مختلفة، عليه أن يسأل نفسه أولًا: هل أحبها لأنها تشبه نضجي، أم لأنها تملأ فراغي؟ فالفرق بين الحُب والاحتياج هو ما يحدد مصير العلاقة، وهو أيضًا ما يصنع رجلًا يعرف كيف يحب، لا مجرد صبي تائه في لعبة امرأة تعرف جيدًا من أين يُمسك الخيط.

search