الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025

11:04 ص

بين الطبيب والأخصائي، من يملك حق “التغذية العلاجية” في مصر؟

تعبيرية عن التغذية العلاجية

تعبيرية عن التغذية العلاجية

أثار الخلاف حول مدى أحقية خريجي كليات علوم التغذية وخريجي العلاج الطبيعي في ممارسة "التغذية العلاجية"، نقاشًا واسعًا في الأوساط الطبية والمهنية، بعد أن أصدرت الرابطة المصرية العامة لأطباء التغذية العلاجية، بيانًا رسميًا، حددت فيه الإطار القانوني والعلمي لممارسة هذا التخصص، مؤكدة أنه يقتصر على الأطباء البشريين الحاصلين على مؤهل معترف به في التغذية العلاجية.

في عيادة صغيرة بالقاهرة، تجلس نهال أحمد خريجة كلية اقتصاد منزلي، أمام شابة تسألها عن نظام غذائي خاص لحالتها الصحية، تبتسم نهال وتجيبها بثقة، لكن بعد دقائق تتلقى اتصالًا من زميل يحذرها: “احذري.. قد تُتَّهمين بمزاولة مهنة الطب دون ترخيص، إذا تم كتابة أي نوع دوائي”.

ذلك التحذير ليس جديدًا، بل يعكس خلافًا متصاعدًا في الوسط الطبي حول من يحق له ممارسة “التغذية العلاجية”: خريج كلية علوم التغذية أم خريج كلية العلاج الطبيعي؟.

بدأ الجدل عندما اعتبر مجلس نقابة العلاج الطبيعي أن “التغذية العلاجية” من الوسائل العلاجية والتأهيلية التي يحق لأعضائه استخدامها، إلى جانب وسائل مثل العلاج التنفسي والعلاج الوظيفي، مستندًا إلى المقررات والمناهج الدراسية التي تشمل أسس التغذية السريرية.

قرار النقابة فتح الباب أمام مئات من خريجي العلاج الطبيعي الذين بدأوا في الإعلان عن أنفسهم كـ“أخصائيي تغذية علاجية”، وهو ما أثار اعتراضات واسعة من خريجي كليات علوم التغذية، الذين رأوا أن القرار يتجاوز حدود الاختصاص المهني.

كلية علوم التغذية 

تقول أخصائي التغذية وخريجة كلية الاقتصاد المنزلي، “نحن درسنا علم الغذاء وتوازن العناصر والمكملات الغذائية بدقة، لكننا لا ندّعي أننا أطباء، عملنا يرتبط بالتغذية المجتمعية والوقائية وليس بالتشخيص أو وصف الدواء، أما وصف الحميات العلاجية فهو عمل الطبيب المتخصص”.

وتؤكد نهال أحمد لـ"تليجراف مصر"، أن دور أخصائي التغذية يقتصر على تقديم الإرشادات الصحية ووضع الأنظمة الغذائية المناسبة لكل مريض، مشددة على أن وصف الأدوية من اختصاص الطبيب البشري فقط، بصفته الجهة المخوّلة قانونًا بتشخيص الأمراض ووصف العلاج الدوائي.

وقالت نهال أحمد إن مهام أخصائي التغذية تتمحور حول متابعة الحالة الغذائية للمرضى وتقديم الاستشارات الغذائية داخل المستشفيات والمراكز الصحية، وذلك بالتنسيق الكامل مع الفريق الطبي المعالج لضمان تكامل الأدوار وتحقيق أفضل النتائج الصحية للمريض.

وأوضحت أن الطبيب البشري هو المسؤول عن تشخيص الأمراض ووصف الأدوية، في حين يختص الصيدلي بإدارة التغذية الوريدية والمحاليل والحقن، أما أخصائي التغذية فيتولى مهمة تحويل تشخيص الطبيب إلى نظام غذائي مناسب يتوافق مع الحالة الصحية والعمرية ونمط الحياة لكل مريض.

وأضافت أن دور أخصائي التغذية لا يقتصر على متابعة النظام الغذائي فحسب، بل يمتد إلى تقييم الحالة الغذائية بدقة من خلال قياس الوزن والطول وتحليل الفحوصات الطبية ودراسة التاريخ المرضي، ثم تحديد الاحتياجات الغذائية بحسب الحالة الصحية ومستوى النشاط البدني. وبعد ذلك يقوم الأخصائي بتصميم خطة غذائية علاجية تتناسب مع طبيعة المرض، سواء كان سكريًا أو ضغطًا أو كبدًا أو سمنة، مع متابعة مستمرة لاستجابة المريض للنظام وتعديله عند الحاجة.

وأكدت أن التعاون بين أخصائي التغذية والفريق الطبي أمر أساسي لضمان توافق النظام الغذائي مع الخطة العلاجية، مشيرة إلى أهمية توعية المريض وأسرته بطرق الالتزام بالنظام الغذائي وأثره الإيجابي على الحالة الصحية.

ولفتت أخصائية التغذية إلى أن مهام الأخصائي تمتد أيضًا إلى المجال التثقيفي، إذ يضطلع بدور محوري في نشر الوعي الغذائي داخل المدارس والمجتمعات العامة، من خلال توعية الأطفال والموظفين بالعادات الصحية السليمة، والإشراف على الوجبات المقدمة في الكافيتيريات والمطاعم، فضلًا عن تنظيم ورش عمل وحملات توعية غذائية تهدف إلى تعزيز مفاهيم التغذية الصحية والحفاظ على جودة الحياة.

موقف الرابطة الطبية للتغذية

وفي خضم هذا الجدل، أصدرت الرابطة المصرية العامة لأطباء التغذية العلاجية، بيانًا حاسمًا، أكدت فيه أن ممارسة تخصص التغذية العلاجية حق أصيل للأطباء البشريين فقط، استنادًا إلى القانون رقم 415 لسنة 1954 وتعديلاته، الذي يحصر الكشف الطبي وطلب التحاليل وكتابة الأدوية في الطبيب البشري المقيد بنقابة الأطباء.

وجاء في البيان: “تأسيس أقسام التغذية العلاجية بالمستشفيات خطوة مهمة لتطبيق معايير عالمية للوقاية والعلاج، لكن لا يجوز لغير الطبيب البشري المؤهل الالتحاق بتلك الفرق أو ممارسة التخصص تحت أي مسمى آخر".

وأضافت الرابطة أن العمل في هذا المجال يجب أن يكون ضمن فريق طبي متكامل، يضم طبيب تغذية علاجية، وصيدليًا مختصًا في التغذية الوريدية، وأخصائي تغذية للإشراف على إعداد القوائم الغذائية والبدائل، بما يتفق مع المراجع العلمية الدولية.

ضوابط نقابة العلاج الطبيعي

وفي المقابل، حاولت نقابة العلاج الطبيعي ضبط الممارسات الإعلامية لمهنتها، فأعلنت مقترحًا لتنظيم ظهور أعضائها في وسائل الإعلام ومنع منتحلي الصفة من الظهور كـ“أطباء تغذية”، مؤكدة أن أي ظهور إعلامي يجب أن يتم بإخطار النقابة ومراجعة المحتوى العلمي مسبقًا.

يتحمل مسؤولية المريض قانونيًا

يقول أحد الأطباء المختصين بالتغذية العلاجية فضل عدم ذكر اسمه لـ“تليجراف مصر": “الجدل الحقيقي ليس في من يدرس التغذية، بل في من يتحمل مسؤولية المريض قانونيًا، التغذية العلاجية ليست حمية فقط، بل تدخل في علاج أمراض مزمنة كالكلى والسكري وأمراض الكبد، أي أنها جزء من خطة علاج طبي”.

ويضيف: “الخلط بين التغذية العلاجية العامة والتغذية الطبية الدقيقة يسبب مشاكل مهنية وربما قانونية، لأن من يصف النظام الغذائي لمريض دون تقييم طبي يعرض حياته للخطر".

بينما تتصاعد المطالب بتشريع يحدد بدقة مهام كل تخصص في “منظومة التغذية العلاجية”، تبقى الحقيقة أن المريض هو محور الخلاف وأكبر المتأثرين به.

وحتى يتم التوصل إلى اتفاق مهني واضح بين النقابات المعنية، سيظل السؤال مطروحًا في الأوساط الطبية، من يملك حق “التغذية العلاجية”.. الطبيب أم الأخصائي؟.

اقرأ أيضًا:

ثلاثة يزاحمون الطبيب البشري في ممارسة "التغذية العلاجية"، لمن الحق؟

"الصحة" تطلق المؤتمر الأول عن أسس التغذية العلاجية

أطباء يطالبون بإصدار قرار وزاري لتنظيم عمل فرق التغذية العلاجية

search