الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

07:32 م

ماذا تريد الولايات المتحدة من فنزويلا؟

تتزامن التحولات الدولية الكبرى دائمًا مع لحظات تاريخية فارقة، وهو ما يعيد إلى الذاكرة المصرية ذكرى عيد النصر وزوال آثار العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حين تمسّك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بحق بلاده في السيادة والدفاع عن مقدّراتها، ونجحت خطته الجريئة في تأميم قناة السويس، لتُسجَّل واحدة من أهم لحظات التحول في النظام الدولي الحديث.

لم تكن حرب السويس مجرد مواجهة عسكرية، بل شكلت نقطة فاصلة في ميزان القوى العالمية. فالولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دوايت أيزنهاور، لعبت دورًا محوريًا في إدارة الأزمة، حيث تعمّد تجاهل الضغوط البريطانية، ما أسهم في إفشال المغامرة العسكرية لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.

وبهذا، أصبح عيد النصر المصري إعلانًا غير مباشر عن أفول الإمبراطورية البريطانية، وبداية صعود الإمبراطورية الأمريكية كقوة مهيمنة على النظام الدولي.

منذ تلك اللحظة، لم تعد الولايات المتحدة مجرد قوة عظمى، بل تحوّلت إلى قوة كاسحة تمتلك أدوات السيطرة الاقتصادية عبر الدولار، والهيمنة العسكرية عبر انتشار قواعدها وقدرتها على التدخل في أي بقعة من العالم في أي وقت.

ومع مطلع الألفية الجديدة، وصعود تيار المحافظين الجدد، تبنّت واشنطن استراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى “جعل القرن الحادي والعشرين قرنًا أمريكيًا”. فكان غزو العراق عام 2003، ليس فقط تحت ذرائع أسلحة الدمار الشامل، بل في جوهره من أجل السيطرة على واحد من أكبر مخزونات النفط في العالم، وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ضمن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي مثّل “الربيع العربي” أحد أدواته الزلزالية.

غير أن التحولات الدولية لم تسر دائمًا وفق ما خططت له واشنطن. فالصعود الصيني المتسارع اقتصاديًا وعسكريًا دفع الولايات المتحدة إلى إعادة تموضع استراتيجي، والانسحاب النسبي من الشرق الأوسط باتجاه جنوب شرق آسيا. فقد أصبحت الصين، باقتصادها الإنتاجي وقدراتها الصناعية والعسكرية، التحدي الأكبر للهيمنة الأمريكية، في مقابل اقتصاد أمريكي يقوم في معظمه على الخدمات والقطاع المالي.
وفي هذا السياق، تبرز إيران باعتبارها عمقًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للصين، وهو ما يفسر تسارع التنسيق الأمريكي–الإسرائيلي لمحاصرتها أو ضربها، في إطار الصراع الأوسع مع بكين.

أما فنزويلا، فهي تمثل حلقة محورية في هذا الصراع العالمي؛ إذ تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم. وتسعى الولايات المتحدة إلى إعادة بسط نفوذها على النفط الفنزويلي وفتح الباب أمام عودة الشركات الأمريكية، ليس فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية، بل لضمان بدائل استراتيجية لإمدادات الطاقة في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، وما قد يترتب على ذلك من شلل في تدفقات النفط الخليجي.

وتُعاد هنا صياغة السيناريو العراقي نفسه، عبر ذرائع مكافحة العصابات وتهريب المخدرات وعدم الاستقرار السياسي، بينما يكمن الهدف الحقيقي في الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على مصادر الطاقة العالمية، ومنع خصومها، وعلى رأسهم الصين، من امتلاك أوراق ضغط استراتيجية.

في المحصلة، فإن ما تريده الولايات المتحدة من فنزويلا يتجاوز النفط ذاته؛ إنه جزء من معركة أوسع تخوضها واشنطن للحفاظ على إمبراطوريتها في عالم يتجه نحو التعددية القطبية، حيث لم تعد الهيمنة المطلقة أمرًا مسلمًا به كما كان في نهاية القرن العشرين.

search