"دخول الحمام بإذن"، صرخات عمال "مفكو حلوان" تحت وطأة التعسف والأجور المتدنية
احتجاج عمال شركة "مفكو حلوان" ضد صاحب العمل
على مدار نحو 20 عامًا، ظل اسم شركة “مفكو حلوان للأثاث” حاضرًا في سوق الأثاث المصري، بوصفها واحدة من الكيانات الصناعية الكبرى، لكن خلف أسوار المصنع تتكشف روايات عمّال سابقين وحاليين، عن أوضاع عمل يصفونها بـ"غير الآدمية".
تبدأ معاناة العمال من تدني الأجور، ولا تنتهي عند الفصل التعسفي، وغياب تطبيق قانون العمل، في مشهد يقولون إنه استمر لسنوات دون تدخل حاسم.

20 عامًا من الخدمة.. والأجر 3000 جنيه فقط
محمد الخولي، أحد أقدم العاملين السابقين بشركة مفكو حلوان، أمضى نحو 20 عامًا داخل المصنع، قبل أن يقرر الاستقالة قبل عام، بعد رحلة طويلة من الصبر انتهت بحسب وصفه بـ"قمة القهر والظلم".
يقول الخولي لـ"تليجراف مصر"، إن راتبه لم يكن يتجاوز 3000 جنيه، رغم سنوات خدمته الطويلة، موضحًا أن الأجر كان يغطي نفقات معيشته بالكاد، لافتًا إلى أنه حين طالب بحقوقه قوبل طلبه بالتجاهل، وبمزيد من التضييق، حتى أصبحت بيئة العمل "غير إنسانية"، على حد قوله.
ووفق روايته، امتد التعسف إلى تفاصيل يومية دقيقة، منها عدم السماح للعمّال بدخول الحمّام أثناء العمل إلا باستخدام بطاقات مخصصة لهذا الغرض، بخلاف الأسلوب الإداري القاسي، والتهديد المتكرر من أفراد الأمن لهم، ووعود بتحسين الأوضاع لم تر النور.
إصابة عمل تنتهي بقرار وقف
أما أحمد (اسم مستعار) 43 عامًا، فقضى 15 عامًا في العمل داخل الشركة، يتقاضى خلالها راتبًا 3400 جنيه، قبل أن تتغيّر حياته المهنية فجأة بعد إصابته بشرخ في مفصل اليد أثناء العمل.

يحكي أحمد أن إدارة الشركة منحته إجازة مرضية قانونية، لكنه عندما طلب مدها لحين اكتمال تعافيه، فوجئ بقرار وقفه عن العمل. وهنا يقول: "روحت لمدير الأمن أشرح له حالتي، فقال لي: دا مايجيش ومايدخلش تاني".

تقدم أحمد بشكوى إلى مكتب العمل، وتم تحديد جلسات رسمية، لكن صاحب العمل تغيّب عن الجلستين، ما عقّد موقفه القانوني. ويصف أحمد الشركة بأنها "دولة داخل الدولة"، تدار بسياسة "العافية"، دون مراعاة لحقوق العامل أو حالته الصحية.

خصومات وفصل قسري تحت مزاعم الانضباط
عامل آخر اقترب من سن التقاعد، يتقاضى راتبًا لا يتجاوز 3500 جنيه، يروي جانبًا مختلفًا من المعاناة. يقول إن التأخر لدقيقة واحدة عن موعد العمل يُقابل بخصم ربع يوم من الأجر، باعتبار ذلك "سماحًا"، مع مضاعفة الجزاء حال التكرار.

ويضيف أنه وفق القواعد المتبعة في الشركة فإن الحصول على إجازة لمدة 10 أيام متصلة أو 21 يومًا سنويًا، قد ينتهي بالفصل القسري، لافتًا إلى أن بعض العمال يُجبرون على استكمال الغياب عمدًا، لاستيفاء مدة الفصل القانونية.
وأكد غياب أبسط إجراءات السلامة داخل المصنع، فلا إسعافات أولية، ولا سيارات إسعاف، ولا يجوز حتى السماح بمرافقة العامل المصاب إلى المستشفى.
ضيعوا شبابي
أما محمد رمضان، فكان يعمل فرد أمن بالشركة، وقضى بها 14 عامًا، قبل استقالته منذ عام. يقول إن قرار الرحيل جاء بعد سنوات من سوء المعاملة، وعدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، وغياب العلاوات السنوية.
ويكشف رمضان أن أجور العاملين تتراوح حاليا بين 3000 و4000 جنيه فقط، رغم كون الشركة كيانًا كبيرًا، لافتًا إلى أن راتبه قبل ترك العمل كان 2800 جنيه. ويؤكد أن شكاوى عديدة قدمت إلى مكتب العمل منذ عام 2013 دون نتائج تُذكر.

احتواء الغضب.. وإيصالات بلا اسم
وبحسب رمضان، تلجأ إدارة الشركة عند تصاعد غضب العمال، إلى احتواء الموقف عبر وعود مؤجلة، أحيانًا بحضور مسؤولين من مكتب أو وزارة العمل، دون تنفيذ فعلي. ويشير إلى حالات منع قسري من دخول مقر العمل، أو فصل مفاجئ، يدفع بعض العمال إلى الاستمرار "بالإجبار" خشية فقدان مصدر رزقهم.
ويلفت إلى أن إيصالات الرواتب لا تحمل اسم الشركة، بما يمنع استخدامها كدليل رسمي في حال التقدم بشكاوى قانونية ضد الشركة، موضحًا أن عدد العاملين تراجع من نحو 3000 إلى 700 عامل فقط، وسط أجواء من الخوف تمنع كثيرين من الحديث علنًا.
صاحب الشركة بالخارج.. والفصل بالداخل
عامل آخر قضى 35 عامًا داخل الشركة، يقول إن صاحب الشركة يقيم في لندن، ويمارس الفصل التعسفي بحق العمّال، دون تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالحهم. ويشير إلى أن محامي العمال السابق أصبح محامي الشركة، وأن سياسات إدارية جديدة أسهمت في تراجع المبيعات وارتفاع الأسعار رغم انخفاض الجودة.
ويضيف أن نحو 95% من العاملين يتقاضون أقل من 4000 جنيه شهريًا، رغم إقرار الإدارة أمام وزارة العمل بتطبيق الحد الأدنى للأجور، لكنه – بحسب قوله – مطبق فقط على 34 موظفا إداريًا.
فصل تعسفي بعد وقفات احتجاجية
وروى العامل ذاته أن أحد زملائه تعرض لإصابة عمل فقد خلالها أربعة أصابع من يده، وحين شكى من عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم فصله، مؤكدًا أن شكاوى العمال تحولت من مكتب العمل إلى المحكمة العمالية، ثم انتهت بفصلهم، بعد اتهامهم زورًا بتنظيم وقفات تخريبية وقطع طريق، رغم أنها كانت وقفات احتجاجية سلمية داخل الشركة فقط، مع فصل بعض العمال دون أحكام قضائية.
قضايا بالمئات
محامي العمال، خالد الأعصر، يؤكد رفع مئات القضايا للمطالبة بحقوق العاملين، مشيرًا إلى صدور أحكام بصرف ثلاث علاوات متأخرة عن أعوام 2011 و2014 و2022، إلى جانب أرباح مستحقة.

ويكشف الأعصر أن الشركة فصلت نحو 700 عامل عقب مطالبتهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ما دفعه لإقامة دعاوى قضائية لإلغاء قرارات الفصل. ويضيف أن عشرات العمال حصلوا على أحكام بعودتهم للعمل، لكنها لم تنفذ حتى الآن.
نفي رسمي من الإدارة
في المقابل، ينفي مدير الأمن بالشركة، مصطفى حماد، وجود أي وقفات احتجاجية داخل المصنع، مؤكدًا أن العمل يسير على نحو طبيعي، وشكك في مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لعمال محتجين، مؤكدًا أنها "لا تخص الشركة".

أما مدير الإنتاج، إبراهيم جمعة، فيؤكد أن دوره يقتصر على العملية الإنتاجية فقط، ولا علاقة له بالقرارات الإدارية أو المالية، قائلًا: "أنا مدير إنتاج مش إدارة".
مخالفة صريحة للقانون
من جانبه، يرى المحامي العمالي، أحمد المصري، أن الأجور التي لا تتجاوز 4000 جنيه تعد غير إنسانية ومخالفة للقانون، ولا تكفي الحد الأدنى اللازم للمعيشة في ظل التضخم الحالي.
وأشار إلى أن الاحتياجات الأساسية تتجاوز 10 آلاف جنيه شهريًا، ووفقًا للقرارات الحكومية الصادرة عن المجلس القومي للأجور المعني بتحديد الحد الأدنى للأجور، يبلغ الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص حاليًا نحو 7 آلاف جنيها بدلًا من 2400 جنيهًا في 2022.
وحذر المصري من تحايل بعض منشآت القطاع الخاص على تطبيق الحد الأدنى للأجور، وطالب بتفعيل الرقابة والتفتيش دون انتظار شكاوى العمّال.

فيما يقول الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إن القطاع الخاص يحاول تحقيق أقصى ربح ممكن سواء من الإنتاج أو العمالة أو التوزيع، ودائمًا يتم ربط الأجر بالإنتاجية، وفي حالة المخالفات يتم اللجوء لمكاتب وزارة العمل من خلال شكاوى رسمية، لكن بعض العاملين يتقبلون الوضع ولا يقدمون أي شكاوى.
ويؤكد عبدالمطلب لـ"تليجراف مصر"، أن عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور يعني أن الإنتاج لا يتحقق، ووجود بعض الاستغلال والجشع للمؤسسات التي تتحايل على تطبيق الحد الأدنى للأجور، وضعف مؤسسات ونقابات واتحادات العمال، بالإضافة لارتفاع نسبة الفقر، ومن هنا يقبل العامل أي أجر يعرض عليه لتوفير احتياجاته.
ويضيف أن الأجور المتدنية لا تؤثر على الإنتاج أو جودته أو العمل، لأن القطاع الخاص لديه شروط قاسية للتوظيف وفي حال وجود خلل أو تكاسل في العملية الإنتاجية يتخذ إجراءاته.

رد حكومي من وزارة العمل على أزمة مفكو حلوان
من جانبه، رفض المتحدث الرسمي لوازرة القوي العاملة، عبدالوهاب خضر، التعليق على واقعة مفكو حلوان، وقال بوجه عام إن هناك عددًا من الإجراءات التي يتم اتخاذها وتتبعها الوزارة لتنفيذ الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، من خلال حملات التفتيش وغيرها بهدف تطبيق قانون العمل الجديد والحفاظ على حقوق العمالة بما فيها تراخيص العمالة الأجنبية وعقود العمل والسلامة والصحة المهنية.

وأضاف في تصريحات لـ"تليجراف مصر"، أن الوزارة يوميًا تقوم بمئات من عمليات التفتيش لتحسين بيئة العمل لصاحب العمل والعامل بعيدًا عن الغرامات، وكشفت بيانات اللجنة المركزية للتفتيش تنفيذ 2605 عمليات تفتيش على منشآت يعمل بها 49 ألف عامل خلال الفترة من 8 إلى 18 ديسمبر الجاري، بينها 466 شركة لا تلتزم بتنفيذ الحد الأدنى للأجور وتم تحرير محاضر ضدها.
وأوضح خضر أن العامل لديه الحق في الاعتراض على عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور من خلال تقديم شكاوى عمّالية، وبناء عليها تتحرك لجان التفتيش للتأكد من ذلك، مع الحرص على استمرار عمل الشركة وإنتاجها، مؤكدًا أن العمال يجب عليهم تحرير محاضر رسمية لدى مكاتب العمل، والمديريات العمالية تعمل تنفيذ الإجراءات الطبيعية.
موقف البرلمان
وتؤكد أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، ألفت المزلاوي، أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص أقر كنص ملزم في قانون العمل الجديد، مع توقيع غرامات تصل إلى 20 ألف جنيه عن كل عامل حال المخالفة. كما تشدد على أن القانون واجب التنفيذ وليس توصية.

يذكر أن شركة مفكو من أكبر شركات الأثاث بالشرق الأوسط وأسسها الدكتور نبيل محمد رفعت في عام 1970، ويرأس مجلس إداراتها مروان نبيل رفعت.
اقرأ أيضًا:
في 3 أيام، تحرير 316 محضرًا لمنشآت خالفت تطبيق الحد الأدنى للأجور
الأكثر قراءة
-
هل غدا الخميس 25 ديسمبر إجازة رسمية؟
-
نتيجة وملخص وأهداف مباراة الجزائر والسودان في أمم أفريقيا (فيديو)
-
من هو طارق الأمير؟، قصة فنان جمع بين التمثيل وكتابة السيناريو
-
نقابة المهن التمثيلية: سنلاحق الصفحات المسيئة للفنانين المصريين
-
خسائر مليونية، إصابتان في تصادم سيارتي تريلا على الصحراوي الغربي بالأقصر
-
منتخب تونس يهزم أوغندا بثلاثية في كأس أمم أفريقيا
-
بعد إقلاعها قرب أنقرة، تحطم طائرة رئيس الأركان الليبي محمد الحداد
-
"كانت بتتفرج من البلكونة"، وفاة طفلة بطلق ناري في حفل زفاف بأوسيم
أخبار ذات صلة
مزايدة إيمانية أم شعائر روحانية؟ مشادة كلامية تفجر خلافات فقهية حول إذاعة قرآن الفجر
24 ديسمبر 2025 04:52 م
الإيجار القديم والـ 7 سنوات.. صراع متجدد بين حقوق الملاك ومخاوف المستأجرين
24 ديسمبر 2025 10:36 ص
أقنع الناس بالتبرع، معلمة مكة تكشف تأثير "لا ترد ولا تستبدل" (خاص)
23 ديسمبر 2025 11:21 م
طرح رينو أوسترال الفيس ليفت 2026 يجبر الموزعين على تخفيض الشكل القديم
24 ديسمبر 2025 02:09 م
أكثر الكلمات انتشاراً