الخميس، 29 مايو 2025

01:53 ص

زحمة السجل المدني بالوراق.. وجبر الخواطر المؤجل

كل صباح، أذهب إلى عملي من نفس الطريق، وأمرّ بنفس الميدان، وأتوقف أمام نفس المشهد… مشهد لا يتغير إلا بتفاصيل التعب على الوجوه.
أمام السجل المدني في الوراق، لا يُفرَش الرصيف بالورود، بل بالبشر؛ رجال مفترشون الأرض، نساء يحملن أوراقًا وأطفالًا، شباب يمسكون بأرقام انتظار كأنهم ينتظرون تأشيرة إلى السويد، وموظف عند الشباك يكرّر السؤال الأبدي "جاي تعمل إيه؟" كأنك لو عرفت تجاوب على السؤال ده بشكل مُقنع، تحصل على الخروج من الزحام.. لا من السجل فقط، بل من مصر كلها.
أمام المبنى، لا توجد كراسي، لا مظلة، لا نظام.
لكن توجد طموحات.
الناس مش جايين يشتكوا! الناس جايين يخلصوا مصلحة.
عايز شهادة ميلاد، أو بطاقة، أو قيد عائلي... مش طلب جنسية أجنبية.
والغريب… إن القطاع بيتطور فعلًا.
بيانات رقمية، تطبيقات على الموبايل، شاشات جديدة في بعض السجلات، وموظفين بتيشيرتات مكتوب عليها "خدمة المواطنين"... بس في الورّاق، ده كله بيحصل في المجلات، مش في الواقع.
تفتكر ليه؟
هل المشكلة في الإمكانيات؟ ولا في الخيال؟
هل إحنا بنطور الورق وننسى البشر؟
هل لازم المواطن يكون "VIP" عشان ياخد حقه في مقعد وانتظار آدمي؟
أنا مش خبير تطوير إداري، ولا وزير داخلية، ولا حتى عضو مجلس نواب نسي الانتخابات.
أنا مواطن بيمر قدام السجل المدني كل يوم، وبيشوف نفس الناس، في نفس الحر، على نفس الأرض، بيستنوا نفس الرقم… اللي مش بييجي.
في بلدنا، فيه ألف خطة للتطوير، لكن مافيش خطة واحدة لجبر الخواطر.
فيه وزارة لكل شيء، ما عدا وزارة "الكرامة أثناء الانتظار".
السجل المدني في الوراق مش مشكلة في الإدارة، دي مشكلة في الخيال.
لما تتخيل المواطن كإنسان، هتلاقي الحل بسيط؛ كراسي، مظلة، دور منتظم، وموظف بيبتسم وينجز شغله.
بس طول ما المواطن متصور كرقم في دفتر، هيقعد برضه… على الرصيف.

search