"قطعوا مصاريف علاجي وأنا صابرة".. تفاصيل الأيام الأخيرة لـ سعاد حسني في لندن

سعاد حسني
مثلما يسيطر الضباب على العاصمة البريطانية غالبية شهور العام، ودعتنا الراحلة سعاد حسني بشكل غامض قبل 24 عامًا في لندن، في مشهد سيطر عليه الضباب على الرغم من مرور تلك السنوات.
ومثلما لفتت سعاد حسني الأنظار إليها على مدار سنوات، قدمت خلالها مجموعة من أهم أعمال السينما المصرية على الإطلاق، جاء المشهد الختامي في حياة "السندريلا" لافتًا هو الآخر، بعدما سقطت من شرفتها تاركة أحد أهم الأسئلة بين متابعي الفن، قتل أم انتحار؟
ماذا حدث في "ستوارت تاور"؟
في 21 يونيو 2001، سقطت سعاد حسني من شرفة منزلها بالدور السادس بمبنى ستوارت تاور في لندن، وشهدت الوفاة ردود أفعال واسعة، واتهامات بالقتل، فيما قالت الشرطة في بريطانيا إنها انتحرت، وظل لغز وفاتها مُحيرًا حتى الآن.

أنا تعبانة
الفنانة الراحلة سعاد حسني، قدمت عام 1991 فيلمها الأخير "الراعي والناس" مع أحمد زكي ويسرا، واحتجبت بعدها عن الظهور بسبب معاناة مع آلام العمود الفقري، التي اشتدت عليها وتعالت أصواتها.
يقول الكاتب الصحفي الكبير محمود مطر، في مذكراته: “كنت واحدًا مِمَنْ كتبوا، مطالبًا سعاد بالعودة إلى الفن والحياة، وإلى جمهورها الذي ينتظر عودتها مجددًا للسينما، في هذه السنوات الصعبة قبل سفرها إلى لندن، كانت سعاد حسني قررت اعتزال الوسط الفني والابتعاد عن الناس والأضواء، وكنت أبحث عن هذا السبب القاهر الذي جعل سعاد، الجميلة الشقية البريئة الفنانة الاستثنائية الموهوبة المبدعة العاشقة للحياة، تحاول بكل الطرق أن تبني حاجزًا بينها وبين الناس، فلا يرونها ولا تراهم أبدًا”.

تراكمات مرضية
لم تكن سعاد حسني تهوى الحديث عن مرضها، وكشف الكاتب الصحفي محمود مطر أنها تعرضت للسقوط من أعلى سلم في منزلها وهي طفلة، وأصيبت بالعمود الفقري، ورغم مرور السنوات والعمل بشكل طبيعي في السينما، إلا أن الأمر أصبح مؤثرًا على حالتها الصحية وعمودها الفقري، لتدخل في النهاية بدوامة من المرض والألم.
وفي مكالمة مؤثرة معها خلال علاجها في لندن، أفصحت سعاد حسني بنفسها عن طبيعة مرضها في العمود الفقري، الذي اضطرها للعزلة بحثًا عن العلاج، والإطلالة التي تليق بسندريلا الشاشة العربية، خاصة بعد زيادة وزنها بشكل ملحوظ بسبب تناول الكورتيزون ضمن العلاجات الكثيرة التي كانت تأخذها.
تلقت سعاد حسني سؤالا من محمود مطر حول طبيعة مرضها، وجاءت إجابتها: "الحقيقة يا سيدي إنه نتيجة تراكمات رحلة فنية طويلة، من الجهد البدني والنفسي حصلت مشاكل في العمود الفقري.. حاجة الأطباء بيسموها شرخ إجهادي.. يعني لو وقفت على قدمي كتير أتعب.. لو قعدت على كرسي عادي أتعب.. بالإضافة إلى الآلام الفظيعة التي أشعر بها في منطقة الظهر.. يمكن لو لم يكن عندي رغبة وإصرار على العودة للفن كنت تواءمت مع هذه الحالة.. بالراحة التامة وبالمسكنات.. لكن أنا عايزة أرجع لفني ولجمهوري بأي ثمن.. لأن الفنان إن لم يكن في كامل لياقته الصحية يبقى صعب إنه يقف أمام الكاميرا ويعطي بشكل حقيقي.. بالإضافة إلى ذلك الضغط عندي غير منتظم.. لكن دي بسيطة.. المهم مشاكل العمود الفقرى تنتهي".
العلاج وسط الضباب
ذهبت سعاد حسني تبحث عن الأمل وعن الشفاء في لندن دون أن تخبر أحدًا، جمعت كل ما لديها وحزمت حقائبها وسافرت في سرية تامة يداعبها حلم العودة إلى البلاتوهات والاستديوهات، إلى التمثيل والغناء والاستعراض، حتی جاء قرار الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء بعلاجها على نفقة الدولة ليقول لها "نحن معك، أنت لم ترحلي ولن ترحلي من ذاكرة الوطن".
يقول الكاتب محمود مطر: “كانت سعاد تكنّ للجنزوري تقديرا خاصا واحتراما شديدا، وكان من حسن حظي أن نقلتُ على لسانها في حوار نادر، دبّرته الأقدار، رسالة كلها حب وامتنان لبلدها على هذه اللفتة الإنسانية الكريمة، خاصة أنه جاء ليحافظ على كرامتها ومن بلدها، كان يهمها في الأمر أن القرار جاء من وطنها وليس من أي مكان آخر”.
وأضاف مطر أن سعادة سعاد بقرار الجنزوري أثارت سخط وغضب صفوت الشريف الذي كانت قد رفضت منذ سنوات رفضا مطلقا عرضه بعلاجها على نفقة الدولة.
ونقل مطر نص مكالمة جمعته مع سعاد تحدثت فيها عن قرار علاجها على نفقة الدولة:
- آلو مدام سعاد.. حمد الله على سلامتك.. كلنا نريد أن نطمئن عليك؟
– الحمد لله أنا كويسة.. وإذا كان فيه بعض القلق علىّ فأنا بأرد عليك أهو وبأكلمك.. یعنی مفیش شیء، خطير ولا حاجة.
- قرار الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء بعلاجك على نفقة الدولة.. ماذا يعني لك؟
– قرار د. الجنزوري قدم إلىّ بطريقة بالغة الرقة وبمشاعر إنسانية عالية مضافًا إلى ذلك أنه جاء محافظا تماما على كرامتي.. ويهمني هنا أن أوضح أنني رفضت من قبل الإنفاق على علاجي سواء على نفقة الدولة أو أي دولة أخرى.. لكن قرار رئيس الوزراء الأخير جاء في وقته تماما وبالطريقة التي تجعلني أشعر بالتقدير والتكريم.. وأنا أشكره كثيرا..
- هل صحيح أنك استنفدت كل ما لديك على نفقات العلاج الطويل الباهظة؟
– لو ماكانش معي فلوس.. ماكنتش سافرت أساسا ولا خرجت برة مصر، إنما طبعا التكاليف تضاعفت.
قرار صادم من عاطف عبيد
كانت سعاد حسنى تعيش حياة مستقرة وعادية في لندن، محملة بالآمال الكبيرة في الشفاء والعودة إلى أن داهمتها صدمة كبيرة، حين ترك كمال الجنزوري منصبه كرئيس للوزراء وكان يعرف قيمة سعاد حسني جيدا ويعرف ما تمثله كفنانة استثنائية تمثل أحد أدوات القوة الناعمة لمصر.
وجاء رئيس الوزراء عاطف عبيد، الذي يبدو أنه كان مختلفًا تماما عن سابقه في نظرته للفن وأهله ولعبقرية فنية كسعاد حسني، إذ أرسل إليه المستشار الطبي بالسفارة المصرية بلندن وقتها خطابا يقول فيه إن سعاد حسني لم تعد تحتاج العلاج على نفقة الدولة وأن صحتها أصبحت على ما يرام، فاتّخذ عبيد قرارا سريعا بوقف علاج السندريلا على نفقة الدولة دون أن يتحقق من صحة ما جاء في خطاب المستشار الطبي آنذاك، والذي كان يتخذ موقفا مضادا لسعاد.
كانت صدمة السندريللا ليست فقط لوقف قرار العلاج، ولكنها شعرت بنوع من عدم التقدير من رئيس وزراء مصر لقيمة فنية كبيرة لاسمها، وأرسلت السندريلا خطابا لعاطف عبيد تعرب فيه عن حزنها وأسفها لقراره، وأضافت في خطابها أيضا أنها لم تطلب من الأساس العلاج على نفقة الدولة، لكن حين صدر القرار من رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوي مشكورا فقد كان هذا يعني تقديرا من الدولة لسعاد، أما حين يتم إلغاء القرار حتى دون إخطارها فإنه يعكس نوعا من عدم التقدير وعدم الاحترام.
تسجيل صوتي نادر
في حوار سابق مع الكاتب محمود مطر عام 1999، تحدثت السندريلا عن الغربة في لندن والعلاج، والاستماع للعديد من الآراء من الأطباء، وقالت: “أنا حبيت أرد وأتكلم لأن كان في نوع من القلق عليا والتوتر وهو ده اللي خلاني أهتم”، مشيرة إلى أنها ستخضع لعملية جراحية بالعمود الفقري مرة أخرى، حيث تعاني ضغطا يتزايد ويتناقص، وهذا ليس جيدًا".
وأضافت السندريلا خلال حوارها: “إن الله مع الصابرين وأنا صابرة والحمد لله.. وبإذن الله أرجع مصر وأنا في صحة كويسة وأقدم كل الفن اللي حوشته في قلبي وروحي والسنين اللي فاتت كلها أو الفترة اللي فاتت كلها اللي مكنتش بقدم فيها فن”.

الأكثر قراءة
-
موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بمحافظة القليوبية 2025
-
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة البحيرة بالاسم 2025 الترم الثاني
-
انتشال جثمان طليق البلوجر لولا فاني آخر ضحايا عقارات حدائق القبة
-
ضياء تحت الأنقاض.. الضابط الشاب الذي ودّع الحياة بصمت في حدائق القبة
-
هربًا من شقيق زوجها.. سيدة تقفز برضيعتها من شرفة منزل بسوهاج
-
تردد قناة dazn على النايل سات 2025
-
إجراءات عاجلة من “تعليم سوهاج” للقضاء على لجان “أولاد الأكابر”
-
المشدد لقائد القطار المتسبب في حادث طوخ وإلزامه برد 9.5 مليون جنيه

أخبار ذات صلة
قنابل B-2 الشبحية تستهدف "فوردو".. هل يُشعل الإشعاع صراعًا إقليميًا؟
22 يونيو 2025 04:46 ص
الهجرة هربا من الحرب.. الإسرائيليون يبحثون عن "خروج آمن" لأوروبا
21 يونيو 2025 09:38 م
"إسرائيل تنشر الفوضى".. زلة لسان أمريكية انتزعت ما في القلب
21 يونيو 2025 07:27 م
"أكثر الناس حذرًا في العالم".. أين يختبئ خامنئي؟
22 يونيو 2025 12:14 ص
أكثر الكلمات انتشاراً