البحر مش دايمًا أزرق
البحر، يا صاحبي، مش دايمًا بيضحك. أوقات بيبلع، وأوقات بيصمت، وأوقات بيبوح بأسراره.. لما يلفظ جثث شباب كان نفسه بس يعيش.
أمس، لفظت أمواج المتوسط جثامين 13 شابا مصريا على شواطئ طبرق في ليبيا. كانوا على متن قارب هجرة غير شرعية، انقلب بهم الحلم في عرض البحر. بعضهم من المنيا، وبعضهم من الفيوم، وبعضهم ما وصلش اسمه للإعلام. لكن القرى عرفتهم.. من الغياب. من الهدوم المبلولة اللي رجعت، بس من غير أصحابها.
دي مش أول مرة، في أكتوبر اللي فات، 12 شابا مصريا ماتوا بنفس الطريقة، وماحدش سمع صوتهم إلا لما البحر تكلم.
الهجرة غير الشرعية مش ظاهرة جديدة في مصر؛ لكن المؤلم إنك تبص على الصور وتلاقي نفس الوجوه كل مرة، شاب عشريني، لابس تيشرت مقطع، ماسك شنطة فيها رغيف وبلوفر. وشه مش عليه ملامح الهروب.. عليه ملامح الخيبة.
في كل قرية مصرية، بقي فيه "سمسار سفر" واحد بيعرف يطلعك من البحر، أو يدفنك فيه، والتكاليف؟ بالتقسيط؛ بس الحياة؟ مش بالتقسيط، هي فرصة واحدة، يا توصلك يا تخلصك.
وبعد كل حادثة نقعد نسأل مين المسؤول؟ هل الشاب اللي باع دهب أمه أو مراته وسافر؟ ولا المجتمع اللي قال له "اشتغل أي حاجة"، وهو ما لقاش؟ ولا الإعلام اللي صدّرله صورة إن الحياة برا وردي؟ ولا الحكومة اللي سابت قرى كاملة تنام وتصحي على البطالة واليأس؟
المسؤولية هنا مش خط مستقيم، لكن اللي نقدر نقوله إن غياب الأمل بيخلق مهربين، وإن غياب البدائل بيخلي البحر يبدو وكأنه خلاص. المشكلة مش بس في ضبط الحدود. المشكلة في غياب السياسات اللي تعيد تعريف كلمة "فرصة" عند الشاب المصري.
محاربة الهجرة غير الشرعية مش أمن بس، ومش كام حملة توعية بتقول للشاب "بلدك أولى بيك". هو عارف إنها أولى بيه، بس هو بيسأل: "بلدي عاوزاني في إيه؟"
الحل مش مثالي، لكنه واقعي:
- تشغيل حقيقي في الريف والمراكز، مش بروشورات.
- دعم المشروعات الصغيرة بعيدًا عن التعقيدات اللي تقتل الحماس.
- تعليم فني محترم، مش شهادة بلا معنى.
- إعلام حقيقي، ما يبيعش وهم ولا يزيّف الواقع.
- ومجتمع مدني، يشتغل بجد، مش بس في ورش عمل.
في النهاية مشهد الجثث على الشاطئ مش بس صادم.. هو مرآة. مرآة لمجتمع بقى بيحلم بالهروب أكتر من البقاء. مرآة لدولة محتاجة تراجع أولوياتها، وتسمع لصوت القرى قبل ما البحر يتكلم بالنيابة عنها.
والأمل؟ لسّه موجود. بس محتاج نزرعه في اليابسة قبل ما يغرق في البحر.
الأكثر قراءة
-
المغرب يصطدم بالإمارات في نصف نهائي كأس العرب 2025
-
أمطار بهذه المناطق، تفاصيل حالة الطقس غدًا الثلاثاء
-
طلقها زوجها قبل أسبوع، سيدة متوفاة داخل محل تثير الذعر في البدرشين
-
بعد فراره إلى روسيا، بشار الأسد يعود لمهنته السابقة
-
ضربة قوية للسوق السوداء، ضبط 3 أطنان أسمدة مدعمة قبل تهريبها بالأقصر
-
فيضانات المغرب تودي بحياة 37 شخصا في أسوأ كارثة طبيعية منذ 11 عاما
-
في كأس العرب، المغرب يتقدم على الإمارات بالشوط الأول
-
السعودية تواجه الأردن في نصف نهائي كأس العرب
مقالات ذات صلة
الأسئلة العشرة التي تكشف ما جرى في الدوائر الـ19
08 ديسمبر 2025 04:11 م
47 دائرة ملغاة.. فهل نقترب من الإلغاء الكامل للانتخابات؟
30 نوفمبر 2025 06:00 م
29 نوفمبر تضامن سنوي.. وإبادة مستمرة!
28 نوفمبر 2025 02:16 م
بعد توجيهات الرئيس.. هل حان وقت تحديث الحياة السياسية في مصر؟
19 نوفمبر 2025 03:32 م
زهران ممداني.. حين انتصرت نيويورك على ترامب
05 نوفمبر 2025 05:25 م
ميثاق الشرف الانتخابي.. محاولة لتغيير قواعد اللعبة
01 نوفمبر 2025 09:42 ص
محمد سلام.. حين كرّم الوطن ضمير الفن
27 أكتوبر 2025 11:14 ص
فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان بين الثقة والمسؤولية
16 أكتوبر 2025 03:55 م
أكثر الكلمات انتشاراً