السبت، 16 أغسطس 2025

03:52 ص

شيرين وحيد
A A

علاقات باردة تحت شمس الظهيرة.. حين تبدو الحياة مستقرة لكنها تخلو من السعادة

ليست كل علاقة هادئة علاقة حيّة، الهدوء أحيانًا قناع، والسكوت في بعض الأحيان جدار لا تراه العيون، هناك علاقات تبدو في ظاهرها “العلاقة المثالية”، لا صراخ ولا مشاهد درامية ولا انفعالات مبالغ فيها، كل شيء يسير بهدوء وسط احترام متبادل على قدر ما يراه الآخرون مناسبًا، لكن خلف هذا الهدوء ثمة فراغ عاطفي وثمة برود ينهك من يعيشانه داخلهما تشعر أنك تسكن بيتًا مرتبًا لكنك لا تشعر أنك تحيا فيه فعلاً ذلك الشعور بأن لا أحد يستمع حقًا لا أحد يتوقّف ليعرف ما الذي يسعدك أو يحزنك ذلك الشعور بأن وجودك إلى جوار الآخر لم يعد له وزن يخصك.

وهنا تبدأ الحيرة: هل أترك علاقة مستقرة فقط لأنني لا أشعر بالسعادة؟ هل من حقي أن أطلب أكثر؟ أن أبحث عن شغف؟ عن دفء؟ عن لمسة تشعرني أنني مُقدَّر، لا مجرد شخص يعيش إلى جواري؟

الجواب عند النفس أولاً: نعم، من حق الإنسان أن يكون محبوبًا لا فقط مقبولًا، أن يُسمَع لا فقط يُحتمَل. أن يُشعَر به، لا فقط يُرى.

العلاقة التي تبدو “سليمة” من الخارج لكنها لا تُشبع الداخل، هي علاقة تسرق العمر في صمت. لأنها لا تُكسِر، لكنها أيضًا لا تُصلِح. لا تُؤذي، لكنها لا تُداوي.

في علم النفس، يُطلق على هذا النوع من العلاقات أحيانًا اسم “العلاقات الميّتة شعوريًا” (Emotionally Dead Relationships) أو “العلاقات الرمادية”، وهي علاقات لا تتخللها مشكلات واضحة لكن يغيب عنها الحميمية، والتواصل العاطفي، والاحتواء، والشغف.

والمشكلة الكبرى أن الاستمرار فيها قد يُطفئ الإنسان تدريجيًا، دون أن يشعر، لأنه لا يجد مبررًا عقلانيًا للانسحاب، ولا يجد أيضًا حياة حقيقية ليستمر، والانسحاب من علاقة كهذه ليس هروبًا، بل هو شجاعة.

هذا النوع من العلاقات يسمى أيضاً العلاقة العاطفية المسطحة أو العلاقة الرمادية، وهي لا تقوم على مشكلات كبيرة بل على غياب المشاركة الشعورية والحميمية وتتحوّل الحياة اليومية فيها إلى روتين يحافظ على صورة الانسجام بينما تختنق الروح ببطء.

الشريك في هذه العلاقة قد لا يكون ظاهره سيئًا قد يظهر بمظهر “المحترم” أو “المتزن” لكنه غائب شعوريًا لا يبادر لا يفتقد لا يسأل لا يغار بمعنى المحبة التي تُحفظ في التفاصيل الصغيرة تغيب هنا ويصبح الحضور شكلًا  بلا مضمون وتهبط الحميمية حتى تختفي.

أخطر ما في هذه الحالة أن الطرف الذي يعيش الفراغ يبدأ في لوم نفسه يتساءل هل أنا صاحب مطالبة مبالغ فيها أم أنني فعلا أفتقد شيئًا مهمًا يبدأ في تقليل توقعاته بل وربما يقنع نفسه بأن الاستقرار أهم من الحياة فيبدأ بالتأقلم مع هذا الصمت إلى أن يختفي شعوره تدريجيًا.

وأحيانًا يرافق هذا الفراغ ميل خفي لدى أحد الطرفين إلى التملك المقنع فيدلّ على نفسه بكلمة مشاركة لكن المعنى الحقيقي هو رغبة في السيطرة تحت ستار المرور بالمشاركة في التفاصيل يصبح البعد عن الخصوصية تبريرًا لمراقبة تلتهم المساحة الشخصية ويبدو القرب في البداية كجسر لكنه يتحول إلى سياج.

العواقب نفسية وعملية فمع مرور الزمن يزداد الإحساس بالوحدة داخل العلاقة وتضعف القدرة على الحلم والمبادرة ويستبدل الشغف بالاعتياد وتفقد العلاقة وظيفتها الأساسية وهي منح الحياة طعمًا ومعنى.

الحل ليس دائمًا في الفراق السريع ولا في الصبر بلا حد بل في الصراحة مع النفس والتواصل الواضح مع الشريك وإذا لم يتغيّر الواقع فلكل إنسان الحق في اختيار الحياة لا مجرد البقاء لأن الاستقرار بلا حياة ليس إنجازًا بل خسارة صامتة

والسؤال هُنا:

الاستقرار بلا حياة يبقّيك على قيد الوجود فقط؟ فهل تستمر لأن الأمر مريح ظاهريًا أم تختار أن تعيش فعلاً وتطلب من علاقتك أن تكون حياة لا مجرد روتين؟

search