السبت، 16 أغسطس 2025

08:22 ص

كيف استغلت حماس إسرائيل لبناء شبكة الأنفاق في غزة؟

الشاحنات الإسرائيلية القادمة إلى غزة

الشاحنات الإسرائيلية القادمة إلى غزة

كشفت بيانات جديدة العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل وحماس في السنوات التي سبقت الحرب.

وفقًا للبيانات التي حصلت عليها القناة الـ12 الإسرائيلية وحركة "حرية المعلومات"، كانت حوالي 10,000 شاحنة تدخل شهريًا إلى القطاع، محملة بالإسمنت ومواد البناء التي استخدمتها حماس لبناء بنيتها التحتية، كما تكشف البيانات عن سلع مفاجئة سلكت الطريق المعاكس من غزة إلى إسرائيل.

لم يعد سراً أن سياسة إسرائيل تجاه حماس في العقد الذي سبق 7 أكتوبر يمكن وصفها بـ"المال مقابل الهدوء"، وفي هذا السياق، كان الاهتمام الأكبر منصبًا على مئات الملايين من الدولارات التي نقلتها قطر شهريًا إلى القطاع بموافقة إسرائيلية.

ولكن بيانات جديدة تكشف أن إسرائيل نفسها أدارت علاقات تجارية واسعة مع غزة، وأدخلت إلى القطاع أكثر من مليون شاحنة ساعدت حماس على تعزيز قوتها، فرض سيطرتها، وبناء بنيتها التحتية الإرهابية.

بيانات دخول البضائع إلى غزة

وفقًا للبيانات التي حصلت عليها القناة الـ12 الإسرائيلية من وزارة الدفاع الإسرائيلية، عبر طلب حرية معلومات تم تقديمه بالتعاون مع "حركة حرية المعلومات"، دخلت إلى قطاع غزة في الفترة من 2015 إلى 2023 ما متوسطه 117 ألف شاحنة بضائع سنويًا. 

احتوت هذه الشاحنات على مجموعة واسعة من السلع، من الغذاء والمعدات الطبية، إلى المواشي ومعدات الاتصالات، وصولًا إلى الوقود والغاز.

جزء من هذه البضائع استُخدم من قبل حماس لبناء بنيتها التحتية، وخاصة شبكة الأنفاق الهائلة تحت الأرض. 

على مدى السنوات التسع التي سبقت الحرب، دخلت إلى غزة حوالي 90 ألف شاحنة من الإسمنت، 21 ألف شاحنة من الحديد، 11 ألف شاحنة من معدات البنية التحتية، والأهم من ذلك، 382 ألف شاحنة من "الأجريجات" (نوع من الحصى يستخدم في البناء)، وهو ما شكّل حوالي ثلث إجمالي الشاحنات التي دخلت من إسرائيل إلى غزة.

"لم تكن هناك قيود تقريبًا"

يقول إسحاق غال، الخبير في اقتصاديات الشرق الأوسط من مركز ديان: "تعزز حكم حماس بفضل العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، لقد عرفت حماس كيف تربح من كل شيء يدخل القطاع. عند دخول الواردات من إسرائيل، كانت حماس تضع حاجزًا على بعد كيلومتر من المعبر، وعلى كل طن يدخل كانت تأخذ حصتها، لقد صدّرت إسرائيل كل شيء تقريبًا إلى القطاع".

شاحنة تدخل إلى غزة من إسرائيل

ويضيف غال أن المواد التي دخلت من إسرائيل وصلت بالتأكيد إلى حماس، متسائلاً "من أين جاءت كل مواد البناء التي شيدت بها كل هذه الأنفاق؟ لم تُصنّع في غزة، لم يعثر أحد على مصنع إسمنت في غزة، مواد البناء دخلت بكميات هائلة جدًا من إسرائيل ومصر، وكانت لحماس الأولوية المطلقة في الحصول عليها".

من جهته، يضيف يوحنان تسورف، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، أنه على الرغم من التصور السائد بوجود حصار على قطاع غزة، كان الواقع مختلفًا لأنه فرضت إسرائيل حصارًا أمنيًا على القطاع، لكنها اقتصاديًا سمحت بدخول السلع والمعدات اللازمة لتلبية جميع احتياجات غزة ومنع حدوث أزمات إنسانية"، موضحًا أنه "لم تكن هناك قيود تقريبًا على السلع التي دخلت إلى القطاع"، مما جعل "اعتماد غزة على إسرائيل شبه مطلق".

من غزة إلى إسرائيل: تجارة في الاتجاه المعاكس

مقابل البضائع التي دخلت من إسرائيل إلى غزة ومكّنت حماس من التسلح، تروي البيانات قصة أقل شهرة عن العلاقات الاقتصادية، وهي السلع التي دخلت من القطاع إلى إسرائيل.

الواردات الغزاوية إلى إسرائيل

ففي حين دخلت إسرائيل عام 2015 حوالي 3,300 شاحنة من البضائع قادمة من غزة، تضاعف هذا الرقم ليصل في عام 2022 إلى حوالي 9,400 شاحنة، وأكثر من نصف هذه البضائع كانت منتجات زراعية، حيث استوردت إسرائيل من غزة في عام 2022 حوالي 24 ألف طن من الطماطم، 11 ألف طن من الخيار، و5,600 طن من الفراولة. كما شملت الواردات 118 شاحنة من الأثاث و624 شاحنة من المنسوجات والملابس.

سعف الشعائر اليهودية من غزة

وتكشف البيانات عن بعض الواردات المفاجئة: في عام 2022، دخلت شاحنتان تحملان 19 قطة كانت متجهة إلى الولايات المتحدة، وفي عام 2019، تم استيراد شاحنتين من "سعف النخيل" (لأغراض دينية) و26 شحنة من حلوى "الكريمبو" الشهيرة.

بيانات الواردات الإسرائيلية من غزة

دان الهرار، مصنّع أزياء ورئيس جمعية تشجيع صناعة الأزياء في إسرائيل، يسلط الضوء على هذه العلاقة التجارية، حيث كان يعمل مع مشاغل خياطة في غزة. 

"كنا نخيط مع عشرات، إن لم يكن مئات، المشاغل في غزة، كانت ميزتها السعر والسرعة، لقد أتاح لنا العمل مع غزة ازدهارًا في الإنتاج المحلي، كانت الأسعار تقارب أسعار الصين وكانوا سريعين جدًاـ الكثيرون كانوا يخشون القول إنهم يعملون مع غزة، لكن القطاع بأكمله كان يخيط هناك".

يدّعي الهرار أن حماس كانت على علم بهذا النشاط وشجعته مقابل الضرائب التي كانت تجبيها من المصانع. 

شاحنة تدخل عزة أمامها عنصر من الأمن الفلسطيني

ويضيف بنبرة شخصية: "على الصعيد الشخصي، إذا أعيد فتح غزة، فسيكون ذلك جيدًا لعملي، ولكن في النهاية، اتضح أن حماس هي عائلة الخياطين الذين عملنا معهم، وسأفعل كل ما بوسعي لعدم العمل معهم مرة أخرى".

نظرة نحو المستقبل

يشرح الخبراء أنه إذا كانت غزة قبل 7 أكتوبر تحتاج إلى مئات الشاحنات يوميًا لدعم اقتصادها المتعثر، فإن إعادة إعمارها ستتطلب كميات مضاعفة. 

يوضح غال: "لتمكين غزة من إعادة الإعمار في غضون 10 سنوات، يجب إدخال 6,000 شاحنة يوميًا، هذا حجم مختلف تمامًا عما كان عليه، ويتطلب استعدادًا لوجستيًا، وقبل كل شيء، سلطة مستقرة غير حماس، لأنه إذا بقيت حماس، فلن يكون هناك شيء، وسنعود إلى نفس الدائرة التي كنا فيها بالفعل".

search