الأحد، 24 أغسطس 2025

01:28 ص

شيرين وحيد تكتب عن: العلاقات السريعة
A A

الحب في زمن الكلينكس.. مشاعر للاستعمال مرة واحدة

في يومٍ ما جمعتني الصدفة بإحدى الفتيات في المطار، ثم شاء الحظ أن تجلس بجواري على متن الطائرة. تبادلنا أطراف الحديث طويلاً، حتى سألتني سؤال: “ما رأيك في العلاقات اللي بتنتهي قبل ما تبدأ ؟” استمعت إليها في صمت دون أن أقاطعها، وكأن الكلمات تتدفق من قلبٍ مثقلٍ بالوجع.

راحت تسرد قصتها العابرة كما لو كانت إعلاناً قصيراً مرّ سريعاً، لكنه ترك أثراً عميقاً. تعرفت على شاب بدا في البداية مختلفًا، منحها وعودًا كثيرة، تحدث عن المستقبل وعن الاستقرار وعن الاهتمام، لكنها فوجئت بعد أسابيع قليلة أنه اختفى فجأة، بلا مقدمات ولا حتى كلمة وداع. وكأنها لم تكن موجودة من الأساس، وكأن الحبّ الذي بدا كبيرًا لم يكن أكثر من منديل ورق، استُخدم لوقت قصير ثم أُلقي به في سلة المهملات.

هذه ليست مجرد قصة فردية، بل أصبحت سمة لعصر كامل. صارت العلاقات تُدار بعقلية الاستهلاك السريع: نستخدم ونرمي. كما لو أن المشاعر فقدت قيمتها، وصار الحب سلعة يمكن الحصول عليها بسهولة عبر تطبيق أو محادثة عابرة، ثم التخلص منها فور ظهور “خيار أفضل”.

الظاهرة ليست بريئة، ولا يمكن تفسيرها فقط بخفة دم هذا الجيل أو سرعة إيقاع الحياة. نحن أمام ثقافة كاملة تفرض على الناس أن يتعاملوا مع القلوب كما يتعاملون مع أي منتج: “جرّب، وإذا لم يعجبك، استبدله فورًا”. هذه الثقافة صنعتها السوشيال ميديا أولًا، التي جعلت البدائل دائمًا متاحة بضغطة زر، ورسختها الأفكار الاستهلاكية التي حولت حتى العواطف إلى شيء يُستهلك ثم يُلقى.

الأصعب من كل ذلك أن ما يسمى بـ”الاختفاء المفاجئ” أو الـ Ghosting صار جزءًا طبيعيًا من القاموس العاطفي. يختفي أحد الطرفين دون سبب، تاركًا الآخر في دوامة من التساؤلات والاتهامات الذاتية. لكن الحقيقة أن الخطأ ليس في من طُعن بالخذلان، بل في مجتمع يُسهّل الهروب من المسؤولية العاطفية، ويشرعن الخفة على حساب الصدق.

المرأة تحديدًا تتحمل جانبًا مضاعفًا من هذا الألم؛ لأن المجتمع لا يكتفي بتركها لتتعامل مع خيبة الأمل وحدها، بل يُلقي عليها أحكامًا قاسية: “أنتِ وثقتِ بسرعة”، “أنتِ اخترتِ غلط”. كأنها المسؤولة عن استهلاكها، لا كأنها إنسانة من حقها أن تحب وتُصدّق. هكذا يتحول القلب الأنثوي إلى ساحة مزدوجة للعقاب: أولًا من الحبيب المستهلك، وثانيًا من مجتمع ذكوري لا يغفر لها صدقها.

الحب لم يمت، لكنه أُفرغ من معناه. لم يعد وعدًا بالاستمرار أو التزامًا بالنمو المشترك، بل تجربة سريعة تُستهلك ثم تُرمى. والمأساة أننا بتنا نتعامل مع المشاعر وكأنها “مناديل ورقية”، بينما الحقيقة أن القلب البشري لا يُصنع من ورق، بل من لحم ودم وذاكرة، وكل مرة يُستهلك فيها بهذه الطريقة يترك ندبة جديدة لا تختفي .

الحب الحقيقي لا يُقاس بعدد اللحظات، بل بقدرة الإنسان على أن يرى في الآخر مرآة لروحه، لا منديلاً لدموعه.

فهل مررت أنت أيضًا بتجربة “الحب الكلينكس” ؟ هل وجدت نفسك مجرد صفحة مطوية ؟ شاركني رأيك، يمكن نفهم أكثر.

search