الأحد، 05 أكتوبر 2025

10:02 ص

إلى متى ستظلين ساذجة عاطفيا؟

قد يبدو الحب في بداياته وعدًا بالنجاة، ونافذة يطل منها القلب على مستقبل مختلف، لكن كثيرًا ما يتحول هذا الوعد إلى سراب، خصوصًا حين يسقط بعض النساء في فخ السذاجة العاطفية. 

تلك السذاجة التي لا تعني ضعفًا في الشخصية بقدر ما تعني قلبًا يصدّق بسرعة، وروحًا تضع أحلامها بين يدي الآخر بلا شروط أو ضمانات. وبين طيبة القلب والثقة المطلقة، تضيع أعوام كاملة على عتبات انتظار قد لا يكتمل.

السذاجة العاطفية ليست مجرد خطأ عابر، بل هي تجربة قاسية تسرق العمر بصمت. فالفتاة أو المرأة التي تندفع بكل عاطفتها، وتضع الرجل في مرتبة أعلى من نفسها، تعيش وكأنها رهينة لوعود قد لا تأتي أبدًا. وهنا يبدأ السؤال المؤلم: متى تستقر المرأة عاطفيًا؟ وهل يمكن أن تنسى تجاربها الفاشلة بسهولة، أم تبقى الندوب جزءًا من تكوينها النفسي؟

الرجل بدوره ليس دائمًا الجلاد، لكنه في كثير من الحالات يعرف كيف يلتقط نقاط الضعف العاطفي في الطرف الآخر. فهناك من يستغل صبر المرأة وقدرتها على التحمل، فيتركها تكافح وتدعمه لسنوات، بينما هو يقتطع من عمرها أجمل ما تملك: وقتها وأحلامها. وهناك آخر يرفعها إلى سابع سماء بوعود زائفة، ثم يتركها تسقط على أرض الخيبة وحدها. وثالث يدخل حياتها وهو منفصل، يوهمها بأنه صفحة جديدة، ثم لا يلبث أن يعود لزوجته ويتركها غارقة في الحيرة.

في هذه اللحظات، لا تقتصر الخسارة على مشاعر جُرحت، بل تمتد إلى صورة الذات. فالمرأة قد تجد نفسها تتساءل: لماذا لم أرَ الحقيقة مبكرًا؟ كيف كنت أصدّق كل هذا الكلام الجميل؟ وهل كنت غافلة إلى هذا الحد؟ هذه الأسئلة تُشعل نار المرارة في القلب، وتجعل النسيان مهمة شبه مستحيلة.

لكن الحقيقة أن العمر لا يُقاس بعدد سنواته فقط، بل بعمق التجارب التي مررنا بها. فكل خيبة تحمل درسًا، وكل فشل يكشف زاوية جديدة من الوعي. والسذاجة العاطفية ليست نهاية المطاف، بل قد تكون بداية نضج مؤلم، لكنه نضج يحرر المرأة من وهم الحب غير المتكافئ.

الاستقرار العاطفي لا يحدث حين تجد المرأة الرجل المثالي، بل حين تجد ذاتها أولًا. عندما تدرك أنها تستحق حبًا يحترم كرامتها، وأن التضحية بلا مقابل استنزاف وليست عطاءً. حينها فقط تستطيع أن تحب بلا تعلق، وأن تمنح بلا خوف من الخسارة. الاستقرار الحقيقي يبدأ حين تتعلم أن تُغلق الأبواب التي تؤذيها، وتفتح فقط لتلك القلوب التي تعرف قيمة حضورها.

أما عن الرجل، فهل يتذكرها بعد انتهاء العلاقة؟ الإجابة ليست واحدة. بعض الرجال يمضون كأن شيئًا لم يكن، وكأن المرأة لم تمنحهم عمرها. لكن هناك آخرون، مهما حاولوا الإنكار، يظل شبح المرأة الصادقة يلاحقهم. فالصبر الذي لم يقدّروه يومًا قد يتحول إلى ندبة في ضميرهم حين يكتشفون أنهم خسروا إنسانة لن تتكرر بسهولة.

السذاجة العاطفية قد تجعل البداية مؤلمة، لكنها لا يجب أن تحدد النهاية. فالحب ليس لعنة، بل فرصة لإعادة اكتشاف النفس. والمرأة التي تتعلم من جراحها، وتتحرر من مرارتها، تستطيع أن تدخل علاقة جديدة بروح ناضجة لا تخشى الفقدان، لأنها لم تعد ترى ذاتها ناقصة من دونه.

قد يُقال إن النسيان صعب، وهذا صحيح. لكن النسيان ليس شرطًا للاستمرار. يكفي أن يتحول الألم إلى درس، والجراح إلى حكمة. يكفي أن تتمكن المرأة من النظر إلى ماضيها بلا غضب، بل بابتسامة ساخرة تقول: "كنت ساذجة، لكنني لم أعد كذلك".

وقد يظن بعض الرجال أن مرورهم العابر في حياة امرأة منحته قلبها وثقتها لا يترك أثرًا عليهم، لكن الحقيقة أن جزءًا منهم يظل عالقًا في تلك القصة. في لحظة ما، وهو يستمتع ببراءتها، كان يشعر بالقوة، كان يرى نفسه مركز عالمها، وربما أحب هذا الشعور أكثر مما أحبها هي. 

لكن حين يمضي الزمن، ويجد نفسه إلى جوار امرأة أخرى، قد يكتشف أن الحياة لا تترك الديون معلّقة. أحيانًا تأتي امرأة جديدة لتردّ له الدرس مضاعفًا، لتضعه في نفس موقع الضعف الذي وضع فيه غيرها، وكأن القدر يعيد توزيع الأدوار ليُشعره بما تسبب فيه. 

وهناك من الرجال من يدرك ذلك متأخرًا، فيشعر بالذنب ويستحضر صورة تلك المرأة التي منحته أكثر مما يستحق، في حين أنه لم يحفظ حقها. وقد لا يعترف بصوت عالٍ، لكنه في داخله يعلم أنه كان سببًا في سذاجتها، وأن الخسارة لا تخصها وحدها، بل تخصه هو أيضًا، لأنه أضاع فرصة حب صادق لا يُشترى ولا يُعوَّض.

في النهاية، ليست السذاجة العاطفية عيبًا في المرأة بقدر ما هي انعكاس لنقاء روحها. لكن النقاء وحده لا يكفي لبناء علاقة متوازنة، بل يحتاج إلى وعي يحميه من الاستغلال. 

ولعل أجمل انتصار تحققه المرأة بعد كل خيبة هو أن تحب من جديد بلا خوف، وأن تمنح قلبها بلا مرارة، وأن تدرك أن التجارب لا تنقص من قيمتها، بل تضيف إليها حكمة وقوة. فالعمر قد يُسرق أحيانًا بين وعود لم تتحقق، لكنه يُستعاد حين تختار المرأة أن تحب نفسها أولًا، وتترك كل ما لا يشبهها وراءها، بثقة أن المستقبل لا يزال قادرًا على منحها ما تستحقه بصدق.

search