الإثنين، 06 أكتوبر 2025

04:20 م

حمادة إمام.. ضابط المخابرات الذي استجوب الجندي الإسرائيلي ودرّب المقاومة

حمادة إمام

حمادة إمام

حين تُذكر بطولات حرب أكتوبر، يقفز إلى الذاكرة أسماء القادة والجنود الذين سطروا بدمائهم صفحات المجد، لكن التاريخ لم يقتصر على العسكريين وحدهم، بل امتد ليشمل رموزًا من ميادين أخرى، في مقدمتهم كرة القدم. 

ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الراحل حمادة إمام، أسطورة نادي الزمالك، الذي ارتبط بواحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ مصر، إذ جمع بين نجوميته الكروية ودوره الوطني كضابط في المخابرات الحربية.

“بص شوف حمادة بيعمل إيه”

الثعلب، أسطورة القلعة البيضاء، وصاحب الصوت المميز في التعليق الرياضي، حمادة إمام الذي ورث الموهبة من والده يحيى إمام حارس مرمى منتخب مصر في الأربعينيات، ليصبح أحد أفضل اللاعبين في تاريخ مصر ثم أحد أفضل المعلقين على الإطلاق.

وُلد حماده إمام في الثامن من نوفمبر عام 1948 بحي المنيرة، وتخرج في الكلية الحربية، قبل أن يلعب لنادي الزمالك.

ويمكن إدراك مدى عظمة وموهبة حمادة إمام، عندما نجد أنه في سن السادسة عشرة، كان والده نائب رئيس قطاع غزة في فترة تبعية غزة إداريًا لمصر. 

وقتها كان والده يرغب في أن يتفرغ ابنه للدراسة، فأخذه معه إلى غزة، لكن الصدفة شاءت أن يتزامن ذلك مع إقامة مباراة بين الأهلي والزمالك تحت 21 سنة. 

حينها قرر المشير عبدالحكيم عامر إرسال طائرة حربية إلى غزة لإحضار حمادة قبل المباراة وإعادته بعد انتهائها، ويومها فاز الزمالك بنتيجة 6-1 سجل منها حمادة إمام خمسة أهداف كاملة، حتى أن الجماهير أطلقت عليه لقب "محمد الخامس"، تيمنًا بملك المغرب الذي كان يزور القاهرة آنذاك.

تألق بقميص الزمالك وساهم في الفوز بدرع الدوري عامي 1964 و1965، وكتب اسمه بحروف من ذهب في مباراة تاريخية ضد ويستهام بطل أوروبا آنذاك، حين سجل هاتريك من خماسية الزمالك الشهيرة، وتغنت جماهير القلعة البيضاء باسمه “بص شوف حمادة بيعمل إيه”.

استجواب جندي إسرائيلي

وقبل حرب أكتوبر المجيدة، كان حمادة إمام متزوجًا في ذلك الوقت، وأنجب ابنه الأول أشرف عام 1971، ليكون أحد مواليد فترة ما قبل الحرب، فيما وُلد حازم إمام عام 1975 بعد انتهاء الحرب بعامين. 

ومع ذلك، لم تكن أسرته على دراية بأي تفاصيل تخص الحرب، نظرًا لما كان يعيشه الضباط من سرية تامة بحكم عملهم.

وأخبر حمادة إمام أسرته بعد الحرب بأن الأمر لن يتجاوز ثلاثة أيام، لكن المهمة استمرت نحو 9 أشهر كاملة، ومع نهاية الحرب، خرج المصريون مدفوعين بروح النصر التي قادها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، صاحب القرار التاريخي ببدء القتال في 6 أكتوبر.

وتقول الدكتورة ماجي زوجة الراحل حمادة إمام: "طبعًا أتذكر جيدًا وقت حرب أكتوبر، فقد كنت حينها مرتبطة بالكابتن حمادة إمام، نعم، كان في ذلك الوقت ضمن المخابرات الحربية، وأتذكر الأمر جيدًا".

وأضافت: “لم نكن نعرف أي شيء بالطبع، كانوا دائمًا كضباط في حالة اختفاء وانشغال كامل بأعمالهم على الجبهات في أماكن مختلفة، كان حمادة وقتها في المخابرات الحربية، واستجوب عساف ياجوري، قائد المدرعات الإسرائيلي الذي وقع في الأسر”.

Hamada Emam (@official_emam) / X

وتابعت “معظم أصدقاء حمادة كانوا ضباطًا، وهم في الوقت ذاته زمالكاوية”.

وواصلت: “بالطبع، علينا أن نقدم تحية شكر وتقدير وإجلال لنصر أكتوبر وللرجال الذين صنعوا هذا النصر العظيم وضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، ونسأل الله الرحمة لشهدائنا الأبرار".

وأتمت: "بعد النصر، كانت مصر كلها في حالة انبهار وفخر، ورفعنا رؤوسنا عاليًا في السماء”.

صداقة مع المشير طنطاوي

ارتبط حمادة إمام أيضًا خلال الحرب مع عدد من القادة العسكريين البارزين الذين كان لهم أدوار مؤثرة في المعركة، مثل حنفي رياض مدير سلاح المشاة ونائب رئيس نادي الزمالك إلى جانب أسماء رياضية بارزة خدمت في صفوف الجيش مثل محمود الجوهري، سمير زاهر، محمود بكر وفكري صالح.

كما أن هناك علاقة وثيقة جمعت بين المشير محمد حسين طنطاوي وحمادة إمام، إذ عاشا سويًا في فترة ما بالجزائر، وكان المشير يكن تقديرًا كبيرًا للثعلب الكبير.

وتقول الدكتورة ماجي: “المشير طنطاوي بدوره كان يعتز كثيرًا بحمادة إمام، فقد أقاما سويًا في شقة واحدة بالجزائر في وقت ما”.

وأضافت: “أذكر أنني قررت مفاجأة حمادة بزيارته هناك، رغم أن الزيارات كانت ممنوعة، وعندما ذهبت سببت هذه الزيارة ارتباكًا كبيرًا، لدرجة أن المشير طنطاوي ترك الشقة حتى تُحل الأزمة”. 

وأتمت: “بعدها وافق الفريق فوزي على السماح للزوجات بالسفر إلى أزواجهن، وكان هذا تقديرًا كبيرًا من المشير طنطاوي الذي كانت له مكانة عظيمة لدى الشعب المصري”.

تدريب المقاومة الشعبية بالأهلي

شارك حمادة إمام، نجم الزمالك، في تدريب أعضاء النادي الأهلي على أعمال المقاومة الشعبية، إلى جانب فتحي الصاوي لاعب الكرة الطائرة بالقلعة الحمراء. 

ولم يعرف زمن الحرب أي خلاف بين الأهلي والزمالك، فالكل كان هدفه الأول هو الانتصار والتحرير، ومن ثمّ كان طبيعيًا أن نرى نجم الزمالك يقوم بتدريب أبناء القلعة الحمراء في صورة معبّرة عن الوحدة الوطنية.

وكان حمادة إمام له مواقف إنسانية عظيمة، منها أنه بعد نكسة 1967، حين توقف النشاط الكروي في مصر، توجه بنفسه إلى بعض رجال الأعمال طالبًا منهم دعمًا ماليًا لتوفير رواتب عمال نادي الزمالك الذين لم يتقاضوا أجورهم منذ ثلاثة أشهر.

ظل حمادة إمام شاهدًا على مرحلة مفصلية في تاريخ مصر، لاعبًا وضابطًا، شارك في ملحمة العبور وعاد ليحمل مع أبناء جيله شرف الانتصار الذي لا يُنسى.

search