محمد سلام.. حين كرّم الوطن ضمير الفن
في لحظات قليلة، قد تُعيد لقطة واحدة ترتيب المشهد كله. حين ظهر الفنان محمد سلام في احتفالية وطن السلام بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يكن مجرد حضور فني عابر، بل كان مشهداً رمزياً بامتياز. فهذا الفنان، الذي اختار منذ قرابة عام أن يلتزم الصمت وينسحب من عمل فني خارج البلاد تضامناً مع ضمير الإنسانية في غزة، يعود اليوم إلى واجهة المشهد في بلده، وكأن الدولة تقول له – دون كلمات – "نحن نراك، ونحترم موقفك".
القصة ليست مجرد تكريم أو ظهور، بل هي حكاية عن العلاقة بين الفن والموقف، بين الضمير والفرصة، بين الفنان الذي يرفض أن يكون صدى للضوضاء، والدولة التي تعيد الاعتبار لصوت مختلف لم يصرخ، بل اختار أن يصمت بشرف.
محمد سلام لم يعلن بطولة ولا كتب بياناً، لكنه فعل ما يفعله الإنسان حين يشعر أن الفن لا يجب أن يُقدَّم فوق دماء الأبرياء. كان يمكنه أن يذهب، أن يشارك، أن يربح كثيراً، لكنه اختار أن يخسر قليلاً من الحاضر ليكسب احترام المستقبل. وهذا هو جوهر الفنان الحقيقي؛ أن يكون صادقاً مع نفسه قبل أن يكون محبوباً عند الآخرين.
اللافت في المشهد أن الدولة المصرية – ممثلة في حضور الرئيس واحتفالية وطن السلام– لم تتجاهل هذه الرمزية، بل احتضنتها؛ فعندما يُكرَّم الفنان الذي دفع ثمن ضميره، فإن الرسالة تتجاوز الشخص إلى المبدأ: أن مصر لا تُعاقب أبناءها لمجرد أنهم اتخذوا موقفاً إنسانياً، بل تعرف كيف تفرّق بين المزايدة الحقيقية والموقف النبيل. لقد كان من السهل على محمد سلام أن ينزوي في صمته ويغادر الساحة كما يفعل كثيرون، لكنه اختار أن يبقى، وأن يعود من الباب الذي يليق به "باب الوطن".
أما حضوره في هذه الاحتفالية الوطنية، فهو بمثابة رد اعتبار مزدوج؛ رد اعتبار لفنان وقف إلى جانب الإنسانية في وقت الانقسام، ورد اعتبار لفكرة الفن الوطني نفسه، الذي يُعبّر عن قيم المجتمع ومشاعره، لا عن حسابات السوق ولا صفقات الترفيه. المشهد كله بدا وكأنه تصحيح هادئ لتوازن ضروري في زمن يختلط فيه الصوت العالي بالفراغ، وتُقاس الوطنية بعدد المنشورات لا بصدق المواقف.
لكن مصر – كما عوّدتنا– تعرف أن تلتقط المعنى في اللحظة التي يحتاج فيها الناس إلى رسالة طمأنينة. الرسالة التي تقول إن الضمير ليس تهمة، وإن الموقف النبيل لا يُنسى، حتى إن تأخر الاعتراف به.
منذ سنوات، كتب أحد الكبار أن "الفن في مصر ليس رفاهية، بل جزء من ضميرها العام"، ويبدو أن مشهد محمد سلام اليوم أعاد لهذه العبارة معناها الأول. ففي كل مرة يستعيد فيها الوطن فناناً مؤمناً بقيمه، يربح جولة في معركة الوعي، ويؤكد أن الثقافة ليست زينة الدولة بل روحها.
لقد كان ظهور محمد سلام رسالة هادئة لكنها عميقة، مفادها أن مصر التي تحارب الإرهاب وتحمي حدودها، هي نفسها مصر التي تحمي الفنان حين يحمي ضميره، وأن الفن لا يعيش إلا في وطن يمنح أبناءه مساحة لأن يكونوا صادقين دون خوف.
هكذا بدا المشهد اليوم؛ الفنان العائد بابتسامة صافية، والرئيس الذي يحيّي معنى السلام لا شعاره، والجمهور الذي صفق للفن والإنسان في آنٍ واحد، ربما لم يحتج محمد سلام إلى أن يقول شيئاً، لأن الوطن قال عنه الكثير.
الأكثر قراءة
-
شقة مستأجرة وسم في العصير، ضبط المتهم بإنهاء حياة سيدة وصغارها بالهرم
-
حادث سير، ما حقيقة وفاة التيك توكر خابي لام؟
-
عروض فرعونية وشاشات عملاقة في الأقصر لبث افتتاح المتحف المصري الكبير
-
سعر سبائك الذهب 5 جرامات btc اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025
-
تراجع جديد في سعر الذهب اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025, ما السبب؟
-
محمد سلام.. حين كرّم الوطن ضمير الفن
-
مواقف لا تنساها انتصار مع حسام داغر في "البهلوانات"
-
مصرع طالبة بالصف الثالث الإعدادي صدمتها سيارة سرفيس بالفيوم
مقالات ذات صلة
فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان بين الثقة والمسؤولية
16 أكتوبر 2025 03:55 م
رجل من مصر على عرش اليونسكو
08 أكتوبر 2025 10:18 ص
الاعتراف بفلسطين.. بين ورق السياسة ودماء غزة
24 سبتمبر 2025 02:19 م
الأديب العالمي نجيب محفوظ.. ما زلنا نحاصره بعد الموت
31 أغسطس 2025 01:39 م
أكثر الكلمات انتشاراً