أثرياء - لكن- غير سعداء!
للسعادة أسباب كثيرة، ربما يكون أحدها الثراء أو الاستقرار المالي، لكن لا يمكن أن يكون ذلك عاملاً وحيداً.
لطالما ارتبط الثراء في مخيلة كثيرين بفكرة السعادة، بيت أكبر، سيارة فارهة، سفر بلا حساب، وحياة تبدو من الخارج مكتملة، لكن من واقع الحال أن هناك فراغات كثيرة يجب أن تملأ حتى يكتمل المظهر مع الجوهر والواقع الحقيقي الذي لا يمكن أن تظهره حسابات الأثرياء على منصات التواصل الاجتماعي.
لا يمكن إنكار أن المال يلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان، فهو يخفف الضغوط اليومية، ويوفر الأمان، ويمنح صاحبه غالباً حرية الاختيار، فالشخص الذي لا يقلق بشأن الإيجار أو العلاج أو تعليم أبنائه، يملك مساحة نفسية أوسع للهدوء والاستقرار، ومن ثم يمكن القول إن الثراء يسهم في تقليل التعاسة أكثر مما يصنع السعادة.
الشعب الأكثر سعادة في العالم وفق الدراسات واستطلاعات الرأي لا يعيش في الدولة الأكبر أو الأغنى بل في الدولة التي تضمن لمواطنيها حياة أقل توتراً، ومن ثم فإن فنلندا تتصدر دائماً التصنيف، ومن المهم جداً أن نعرف لماذا، حتى يرى الحاكم والمحكوم زاوية ربما لا تبدو واضحة.
حسب الدراسات واستطلاعات الراي، سعادة الشعب الفنلندي نابعة من ثقة الناس هناك في المؤسسات، والشرطة، والمدارس والدوائر العامة التي يسودها الإنصاف والشفافية، فالفساد لا يجد طريقه بسهولة هناك، والأنظمة واضحة واعتمادية.
الخدمات الصحية والتعليمية ليست مجانية كلياً في فنلندا لكنها متيسرة وعالية الجودة، ومتاحة لجميع طبقات الشعب، لذا يشعر الأطفال والآباء بالمساواة من الصغر، فكل طفل يمتلك الفرصة ذاتها بغض النظر عن نشأته أو مكان سكنه أو إمكانيات أسرته، في ظل وجود مدارس ممولة من الدولة بكفاءة متقاربة.
وفيما يظن البعض أن سكان فنلندا منغمسون في دائرة عمل غير متناهية، نجد أن الواقع مختلف إلى حد كبير، فالعمل لا يهمين على الحياة، ولا يزيد أسبوعياً عن 36 ساعة، ولا يتحمس الناس هناك للعمل الإضافي، كما أن الدولة لا تشجعه، فالعطلة مقدسة والراحة مكفولة للجميع.
ومن أسرار السعادة هناك كذلك أن الفجوة في الدخل صغيرة- بحسب منصة "بوستر ستيبس" التي تشير إلى أن المديرين والموظفين يعيشون في الأحياء ذاتها، ما يحد من الطبقية ويقلل من المقارنات التي تثير التوتر الاجتماعي!
على عكس ما نعاني منه في بلادنا، إذ يتباهى البعض بانتمائهم إلى طبقات عليا لا يمكن المساس بها، ويتعاملون بقدر ملموس من الازدراء مع الفئات الأقل حظاً في الثروة أو المكانة، وقد حذرت من ذلك مراراً، وأكدت خطورة تقسيم بلادنا طبقياً إلى بلدين “إيجيبت” و"مصر" حتى لو كان ذلك على سبيل السخرية والاستظراف!
في فنلندا البيئة لها مفعول السحر على نفسية الناس، فالغابات والبحيرات والهواء النقي مزايا طبيعية متوافرة وقريبة وتتمتع بقدسية شعبية ورسمية لإدراك الناس أهميتها لهم، ومن ثم فإنهم يقضون وقتاً في الخارج طوال العام مهما كانت ظروف الطقس!
ومن أبرز العوامل كذلك، الشعور بالأمان، فالأطفال يتنقلون بمفردهم منذ سن مبكرة، والمجتمع يشجع الاعتماد على النفس والمسؤولية الشخصية، ويكتمل ذلك مع حماية الخصوصية والسكينة، باعتبارهما قيمتين أساسيتين تعززان السلام الداخلي للفرد والمجتمع.
خلاصة تجربة فنلندا أنها تنسف كلياً العلاقة الوهمية التي تربط الثراء بالسعادة، فهي بلد تصمم السعادة لا تلاحقها بوسائل مادية مجردة من الإنسانية والمشاعر. السعادة في جوهرها شعور داخلي، يتشكل من الإحساس بالمعنى، والعلاقات الإنسانية والرضا عن الذات.
السعادة يمكن أن تتحقق كلياً لدى شخص يمتلك عملاً يحبه، وأسرة متماسكة وأصدقاء حقيقيين، وأثق أنه أكثر سعادة من ملياردير لا يجد من يشاركه يومه، فالمال لا يمكن أن يعلّم الإنسان كيف يحب، ولا يضمن له محبة الناس.
وبالمناسبة وعن ثقة وقرب من أثرياء كثيرين، إذا لم أعتبر نفسي أحدهم، الثراء يمكن أن يضيف أعباء جديدة على صاحبه، ومسؤوليات أكبر، وتوقعات مضاعفة، وضغوطا اجتماعية لا تنتهي، وفي معظم الأحيان، يصبح الحفاظ على الثراء مصدر قلق دائم، فيتحول النعيم إلى عبء نفسي خفي.
أنا مهتم بالتعرف على تجاربكم وآرائكم في هذا الأمر، وقناعتي الشخصية هي أن الثراء أشبه بالأرض الصلبة التي تمنع السقوط، لكنه ليس كافياً فالسعادة تتحقق حين يفطن الإنسان إلى ما يكفيه، لا ما يملكه، وحين يدرك أن القيمة الحقيقية للحياة لا تقاس بالأرقام بل بالمعنى والمشاعر.
الأكثر قراءة
-
مشاهدة مباراة مصر وزيمبابوي اليوم في بطولة كأس أمم أفريقيا 2025
-
شوط الفرص المهدرة للفراعنة، زيمبابوي يصعق منتخب مصر بهدف
-
أهداف مباراة مصر وزيمبابوي في بطولة كأس أمم أفريقيا 2025 (فيديو)
-
البيت الروسي يكرّم مدير مكتب "تليجراف مصر" في الإسكندرية وعدد من الصحفيين
-
سعر سبيكة ذهب 5 جرام اليوم الإثنين 22 ديسمبر 2025 في سوق الصاغة
-
حريق ضخم بمصنع أخشاب في شارع مؤسسة الزكاة بالمرج
-
مزقوا ملابسها وسحلوها، التحقيق في واقعة التعدي على فتاة طالبت بميراث والدتها بالشرقية
-
الأهلي يسعى لتصحيح مساره في مواجهة غزل المحلة بـ كأس عاصمة مصر
مقالات ذات صلة
المسن وفتاة المترو.. بين المبالغة في رد الفعل والوصاية!
17 ديسمبر 2025 08:21 م
منظومة بلا محاسبة.. لماذا لم يعتذروا لنا؟
13 ديسمبر 2025 12:51 م
قضية "سيدز".. التجارة بالألم وعدالة "الحقيقة"
08 ديسمبر 2025 05:59 م
برلمان على حافة الفراغ!
30 نوفمبر 2025 07:10 م
أكثر الكلمات انتشاراً