أنا المحامي (2) .. ثروة كبيرة وقضية معقدة!
تملكه اليأس تماماً مدركاً صعوبة تحقيق نتائج إيجابية من دعواه القضائية ضد شريكه في مشروع تأسس على فكرته ومجهوده حتى تحول من مجرد شركة صغيرة إلى مؤسسة تدر ملايين. وبدا شعوره منطقياَ في ظل خلو أوراق التأسيس والعقود والوثائق الرسمية من اسمه، إذ كان شريكاً من الباطن في ظل أنه موظف حكومي، والقانون الإماراتي لا يسمح بتسجيل اسمه في العقد.
تستحق هذه الدعوى أن تدرج ضمن حلقات المسلسل الأمريكي الشهير - المعرّب- "سوتس" فتفاصيلها مثيرة، وتحتاج إلى قدر كبير من الخيال والغوص عميقاً في ملابساتها حتى تجد ثغرة تساعد موكلك.
القصة بدأت حين قرر صاحبنا مشاركة شخصين آخرين في شركة للاستشارات الصيدلانية على أن تسجل كمؤسسة فردية مملوكة لأحدهم نظراً لأن الآخرين يعملان لدى جهة حكومية، وفضّلا عدم المغامرة بوظيفتيهما والمشاركة رسمياً في مشروع غير مضمون النجاح.
الشركاء الثلاثة اتفقوا على أن يكون رأسمال الشركة 130 ألف درهم إماراتي، سدد صاحبنا منها 60 ألف درهم من حسابه الشخصي، مقابل حصة 50% من أسهم الشركة، فيما دفع الشريكان الآخران 20 ألف درهم بالتساوي مقابل 25% لكل منهما.
ولم يكتف موكلنا بسداد مبلغ التأسيس فقط، بل أشرف على سير العمل معتمداً على خبراته في هذا المجال، وأضافوا نشاطاً جديداً للشركة بعد عام واحد، وسارت الأمور على أفضل ما يكون لمدة عشرة سنوات، حتى نمت الأعمال وازدهرت، وقرر ترك وظيفته الحكومية والانضمام رسمياً إلى شركته لشغل المنصب اللائق بنسبته في الشراكة، وكانت الصدمة! فوجئ بأن شريكه الذي سجلت المؤسسة باسمه، استحوذ عليها سراً، بل نقل ملكيتها كلياً إلى زوجته، من خلال عقد شراكة جديد، وخلعه هو والشريك الثالث، بل واكتشف أن المؤسسة تفرعت إلى شركات أخرى، وأن الأرباح التي تحققها أكثر بمراحل من المعلنة، إذ تجاوزت أكثر من 30 مليون درهم إماراتي.. يأتي الشخص إلى المحامي عادة حاملاً هموماً وآمالاً كبيرة، مثل الغريق الذي يتعلق بعود من القش، وفي الحالة التي نتحدث عنها، رجل ساهم بـ 60 ألف درهم، وصار من حقه عملياً الحصول على 15 مليون درهم، لكن كيف يثبت ذلك، وعلى أي أساس يمكن الحكم لصالحه في ظل خلو كل الأوراق من اسمه وهو والشريك الآخر؟
بالعودة مجدداً إلى مسلسل "سوتس" وهو من الأعمال الرائعة التي تجسد نمطاً مختلفاً من أعمال المحاماة، وهو محامي الشركات أو القضايا المالية، بما يتمتع به من أناقة بالغة تناسب حجم الأعمال التي يمارسها، وتمثل ركناً أصيلاً من مهنته، إذ يتحتم عليه أن يكون نداً لقاصديه من كبار رجال الأعمال، لأنه في نهاية الأمر يجب أن يقدر جيداً بالنظر إلى ما يحققه من مكاسب لهم.. لا شك أن هناك قدراً كبيراً من الخيال في أحداث المسلسل، لكن ما لا يدركه كثيرون أن هذا مطلوب في الواقع، حتى لو كانت القضية تعتمد كلياً على تحليل الأرقام، وقراءة مؤشرات وإحصاءات، فهناك ثغرة ما يجب أن يفطن إليها المحامي، يستطيع من خلالها استعادة حقوق موكله، ويعتمد ذلك على قدر خياله وإبداعه.
وفي الدعوى المهمة التي نناقشها في مقالنا، كان هناك غش واضح من قبل الشريك الثالث، وعملية اختلاس متقنة لحصص شريكيه اللذين تم محوهما كلياً من ملفات الشركة الجديدة.. عكفت مع فريق العمل على إثبات ما يطلق عليه قانوناً "شراكة الواقع" وهو مسار قانوني معقد، لكن عملنا عليه بدأب من خلال إثبات التحويل البنكي لمبلغ التأسيس 60 ألف درهم، إضافة إلى المراسلات التي كانت تجري بينهم بشكل ثابت على مدار سنوات إلى أن قرر شريكهما الانقلاب عليهما.
دون الدخول في تفاصيل قانونية يصعب على القارئ استيعابها، حسمت المحكمة الدعوى لصالح موكلنا وقضت له بـ 15 مليون درهم، مؤيدة شراكة الواقع، كما حكمت للشريك الثاني بسبعة ملايين درهم، وأثبتت شراكته واقعياً بالمؤسسة، ليحصلا بذلك على تعويض ضخم يتناسب بالتأكيد مع حجم مساهمتها في الشركة، لكنها تظل من القضايا المثيرة لوجدان وحماسة المحامي نظراً لتفاصيلها المعقدة، والعمل بدأب لتحديد المسار الذي يجب أن نسلكه.. ورغم الحصول على حكم نهائي لصالحه بهذا التعويض الخيالي، إلا أن موقفه كان صادماً بعد ذلك، وهذا ما سوف نناقشه سوياً في مقال لاحق عن اللحظات السعيدة والصعبة في حياة المحامي..
الأكثر قراءة
-
سبب وفاة الإعلامية هبة الزياد.. وموعد ومكان العزاء
-
مصادر لـ"تليجراف مصر": الوحدات المغلقة والبديلة تعيد "الإيجار القديم" لمجلس النواب في فبراير المقبل
-
مفاجأة في تقرير الطب الشرعي وكاميرات المراقبة بشأن واقعة تلميذتي المدرسة الدولية وسائق "الباص"
-
التعتيم يطغى على التعليم، 5 ساعات لاقتفاء أثر "جريمة سيدز" في غرفة الرعب
-
وفاة الإعلامية هبة الزياد بشكل مفاجئ
-
حملات على المحلات، قرار عاجل من "تموين الفيوم" بشأن 132 رأس "بتلو"
-
شاهد أفلاما إباحية ثم اعتدى عليها، والدة أيسل تروي تفاصيل جديدة في واقعة "حمام السباحة"
-
نتيجة قبول الجامعات السودانية 2025، رابط وخطوات الاستعلام
مقالات ذات صلة
انتخابات كاشفة.. ومشاهد مؤلمة.. ووطن يحتاج الجميع
25 نوفمبر 2025 06:04 م
بيان الرئيس.. لحظة حاسمة لضبط النزاهة وحماية إرادة المصريين
17 نوفمبر 2025 01:27 م
ليسوا رجالاً.. وكلنا شركاء في الجريمة!!
14 نوفمبر 2025 04:46 م
من الورقة الدوارة إلى المرشح الفضائي.. هل ينتصر الناس لمن يستحقهم؟
09 نوفمبر 2025 02:11 م
بعث جديد من قلب مصر.. نحن أولاد الأصول
31 أكتوبر 2025 03:28 م
يوم حزين.. ويوم سعيد
27 أكتوبر 2025 07:34 م
لم يعد سرًا.. فاستقيموا!
23 أكتوبر 2025 06:42 م
احذروا الفوضى.. لا يمكن أن يكون طفلاً!
17 أكتوبر 2025 08:37 م
أكثر الكلمات انتشاراً