الإثنين، 09 ديسمبر 2024

03:43 ص

كيف استدرج "مستريح مدينتي" شخصيات رفيعة المستوى؟!

"فرانك أباغنيل" شخصية حيرت مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي لسنوات طويلة، كأحد أبرز المحتالين على مر العصور، وجسد شخصيته النجم العالمي ليوناردو دي كابريو في الفيلم الشهير "أمسكني لو استطعت" CATCH ME IF YOU CAN".

تخيلوا معي ان هذا المحتال الموهوب، ارتكب أولى جرائمه حين كان طالباً في المدرسة الثانوية، وتعرض والده لانتكاسة مادية اضطر فيها إلى نقله من مدرسة راقية إلى مدرسة حكومية متواضعة، فانتحل فرانك شخصية مدرس لغة فرنسية في اليوم الأول لالتحاقه بالمدرسة الحكومية، ليتحول لاحقاً إلى كائن حربائي، فينتحل صفة طيار، وطبيب ومحامي، ويزور شيكات ومهن وشهادات عمل، لدرجة دفعت المباحث الفيدرالية بعد القبض عليه إلى الاستعانة به كخبير في الأمن المصرفي، وصمم بنفسه شيكات آمنة يصعب تزويرها.

لا يمكن أن ننكر أن هناك جانباً مشوقاً وطريفاً في شخصية المحتال، ومن فينا لم يعجب بأحمد مظهر النصاب الوسيم في فيلم "العتبة الخضراء" وأعتقد أنه ألهم المئات من النصابين لاحقاً، على غرار شخصية هذا المقال الذي حصل مثل غيره من المجرمين على اسم شهرة مشوق هو “مستريح مدينتي”

سأحكي لكم قصة طريفة أخرى، بطلها نصاب إفريقي أقنع رجلاً في دولة خليجية بقدرته على استخراج الكنوز من باطن الأرض، فاستضافه المشتاق بكل حماسة في منزله، ووفر له كل الإمكانيات المطلوبة، ودفع له مبلغاً طائلاً من المال، ثم انتظر اليوم الموعود لخروج الكنز من باطن الأرض.

وبدأ النصاب في ممارسة طقوسه خلا ساعة متأخرة من الليل، ووسط الظلام والدخان الكثيف للمواد التي استخدمها لجلب جني الكنز، اختفى فجأة، تاركاً صاحبنا في حالة صدمة.

الطرافة ليست فيما سبق من القصة، لكن حين التقى الضحية بالنصاب صدفة لاحقاً بأحد الأسواق، فأمسك به كقط شرس يقبض على فأر ضعيف، وقبل أن يتصل بالشرطة، أقنعه النصاب بأن الطقوس فسدت المرة الأولى، ولو منحه فرصة أخرى سوف يعوضه بالضعف، وطلب منه منحه مهلة ساعات قليلة لإنجاز المهمة بشرط ان يزوده بمبلغ إضافي لزوم النفقات.

وبحماسته المعهودة وافق الرجل ومنحه المبلغ، لكنه كان أكثر حذراً هذه المرة، إذ حبسه داخل شقة وانتظر خارجها لحين تنفيذ المهمة، لكنه ارتكب خطأ واحداً بسيطاً، وهو اختيار شقة في الطابق الأول!!!

بحسب تحريات المباحث في قضية المستريح الجديد في "مدينتي"، ويا له من اسم طريف يمنحك شعوراً بالفخامة والترف "مستريح مدينتي"... 

بحسب التحريات فإنه كان يختار ضحاياه بعناية من الموظفين في جهات حكومية علياً، وقيادات سابقين في أجهزة أمنية لضمان ترددهم في الإبلاغ عنه مراعاة لحساسية مناصبهم!

هذا جانب مهم في شخصية النصاب ، بل ربما هو الأهم على الإطلاق، ويتعلق بكيفية اختيار الضحايا، إذ أنه يصطادهم بـ"الطمع"، وبحجم الإغراء الذي يقدمه، يستطيع إيقاع الأسماك الكبيرة في شباكه!

بحكم عملي التقيت عشرات المحتالين ومئات الضحايا، ولا أخفيكم قولاً أن هناك نصابين يصعب الإفلات منهم، بالنظر إلى ما يملكون من قدرة رهيبة على الإقناع، وأذكر انني قلت يوماً لأحدهم، يا أخي أنا شديد الإعجاب بك، فرغم قناعتي المطلقة بأنك نصاب، إلا أنني أكاد أصدق كل كلمة تقولها..

وبحكم التطور التقني المذهل، وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي تنوعت أساليب الاحتيال، وأصبحت أكثر سهولة وخطورة في آن واحد، فالمحتال سابقاً كان يحتاج إلى وقت وجهد لدراسة ضحاياها.

أما الآن فنحن بكل تطوع وسذاجة نكشف كل تفاصيل حياتنا على منصات التواصل الاجتماعي، ولا يحتاج المحتال سوى مطالعة صورنا ومنشوراتنا، ليجد الثغرة المناسبة التي يتسلل منها، ومن المفارقات المبهرة أننا نصاب بالذهول، حين يحدثنا أحدهم ونشعر بأنه يعرفنا منذ سنين، ونثق فيه ونطمئن إليه تأثراً بشفافيته وقدرته على فهمنا فيما أننا قدمنا له كل معلوماتنا الشخصية على طبق من ذهب دون أن نذكر ذلك.

أعرف أحدهم خسر كل مدخرات عمره بسبب ثقته في محتال أقنعه هاتفياً بالإفصاح عن بيانات بنكية سرية، وتمكن من اختراق حسابه والاستيلاء على كل رصيده خلال دقائق تاركاً إياه محطماً بائساً مسكيناً!

وهناك أسلوب احتيالي آخر بالغ التدمير سوف نتحدث عنه لاحقاً، لكن النصاب -بشكل عام-  مجرم حقير يستحل لنفسه مال الغير ومجهودهم، حتى لو كان يملك شخصية جذابة وطريفة. 

ومهما اعتبرنا ضحايا الاحتيال سذج مغفلين، فإنهم يظلون مجني عليهم، تعرضوا لاستغلال نفسي ومادي، لأن كثيراً من هؤلاء الضحايا يتجنبون الإبلاغ خوفاً من نظرة المجتمع الساخرة الشامتة.
مستريح مدينتي أبهر ضحاياه بفيلا أقرب إلى قصر، مزودة بجدران مضادة للرصاص، وأسطول من السيارات الفارهة، تبين لاحقاً أنها كما الفيلا مستأجرة، ولا شك أنه كان يرتدي أفخم الساعات والملابس، وأثق أن كثيراً من ضحاياه كانوا يتوسلون إليه للموافقة على استثمار اموالهم معه، فمحتال بهذه المهارة قادر على استدراجهم إلى شباكه بملء إرادتهم، لكن لا يسعني في النهاية سوى توجيه نصيحة أخيرة، أتمنى أن تنفع أحدكم،  فكروا مرتين قبل استثمار أموالكم مع شخص ترونه أفضل من أن يكون حقيقياً!

title

مقالات ذات صلة

محمد صلاح.. أنا الملك

05 ديسمبر 2024 05:30 م

لوحة إنسانية في دبي

26 نوفمبر 2024 09:41 م

أمي

18 نوفمبر 2024 02:25 م

search