السبت، 27 سبتمبر 2025

08:17 ص

شهد وشروق.. حكاية توأم تحدّى الإعاقة وحلم بلقاء الرئيس

شهد وشروق

شهد وشروق

في قلب المعاناة تُولد الحكايات الكبرى، ومن بين دموع الأمهات قد تُكتب أجمل صور الصبر والإصرار، ففي حي شعبي بسيط بحلوان، تعيش أم تُدعى جيهان أحمد محمود، حملت على عاتقها مسؤولية مضاعفة منذ لحظة ميلاد توأمها المختلفتين: شهد وشروق ناصر الطاهر.

ثمانية عشر عامًا من الركض خلف الأطباء والمدارس والنوادي، من دموع الليل وابتسامات النهار، صنعت قصة إنسانية استثنائية لا تُحكى كخبر عابر، بل تُروى كملحمة أمّ صمدت لتثبت أن الحب يصنع المعجزات.

القصة كاملة

تبدأ الأم حديثها لـ"تليجراف مصر" قائلة: "الحكاية إني عندي توأم.. من يوم ما اتولدوا وأنا بجري بيهم على الدكاترة بسبب الكهرباء في المخ والإعاقة الذهنية"، هكذا عاشت سنوات طويلة قضتها بين المستشفيات والعيادات، تُنفق ما تملك بحثًا عن علاج أو بصيص أمل.

ومضة من القدر

عندما ولدت الأم، لمح الطبيب في يد شهد كلمة "الله" محفورة على الجلد، تلك لحظة اعتبرتها الأم إشارة سماوية، فتمسكت بالرجاء، لكن لم يمضِ عام ونصف حتى اضطرت إلى إجراء عملية جراحية لعين الطفلة بسبب حَول شديد، وهناك أخبرها الأطباء أن السبب بؤرة كهربائية في المخ.

معركة التعليم

مع بلوغ السادسة، حاولت جيهان إدخال ابنتيها المدرسة، لكن الأبواب أُغلقت في وجهها مرارًا، فلم تستسلم، بل لجأت إلى كل وسيلة ممكنة حتى دفعت ثمن قبولهن، قائلة: "جبت واسطة، وجبت للمدرسة سيراميك وحاجات تانية، عشان يوافقوا يدخلوا البنات"، وهكذا بدأت رحلة التعليم وسط معاناة ودموع.

كانت الأم ترافقهما يوميًا، تجلس أمام المدرسة تراقبهما، حتى ابتكرت طرقًا لتساعدهما في الاندماج مع زملائهما، فأحيانًا تدخل لمكتب الأخصائية الاجتماعية، وتحمل معها الشوكولاتة والهدايا كي توزعها المعلمة بالنيابة عنها على الأطفال، كما كانت تعطي لشهد الحلويات لتفرقها على زملائها، قائلة: "كنت بعمل كدا عشان زمايلهم يقبلوهم وهم يحسوا أنهم محبوبين".

اندماج عبر الرياضة والفنون

لم تتوقف جهود جيهان عند التعليم، فدفعت بابنتيها نحو أبواب الأندية والجمعيات، حيث جربتا المسرح والغناء والتمثيل، وتألقت شهد على وجه الخصوص في الرياضة، من الكاراتيه وألعاب القوى إلى الجري والتزلج على الجليد، راحت تحصد الميداليات عامًا بعد عام، وقالت الأم مبتسمة: "شهد كل سنة بترجع يا أول يا تاني"، حتى صار البيت يزدحم بالكؤوس والجوائز.

لحظة المجد في أبو ظبي

عام 2018، ارتدت شهد زي المنتخب، وسافرت إلى أبو ظبي، لتلعب وسط مشاركين عرب وأوروبيين، حتى لقبت بـ"الطائرة الزاحفة"، حينها وقفت على منصة التتويج بثلاث ميداليات: ذهبيتين وبرونزية، فكرمها رئيس الوزراء الإماراتي، وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية حاضرة.

وعند عودتها، استقبلها المصريون في المطار كالأبطال؛ صُورت صورتها إلى جوار الرئيس، وحملها الناس على الأكتاف، حيث قال الأم: "شهد قالت ساعتها قدام الكاميرات: نفسي أشوف الرئيس السيسي"، ومنذ ذلك اليوم، صار الحلم أكبر من ميدالية: أن تلتقي الفتاة بالرئيس وتقص له قصتها.

حلم لم يكتمل

في العام الماضي، شاركت شهد وشروق ضمن "قادرون باختلاف"، وكانت شهد تستعد للظهور بدور المذيعة وتقديم زملائها على المسرح، لكنها فوجئت يوم رأس السنة أنها واختها أصبحتا خارج الفريق، ببراءة حزينة، قالت: "الرئيس مش هييجي عشان أنا مش هكون موجودة"، لحظة تركت في قلبها غصة، وعلّقت حلمها بلقاء الرئيس إلى حين، ولكن العجيب في الأمر أنه تم إلغاء الحفل بالكامل.

خلف الأوسمة آلام

ورغم كل هذا البريق، فإن وراءه معاناة قاسية، حيث تعاني شهد من اضطراب نفسي يجعلها تقتلع شعرها وحواجبها ورموشها كلما اشتدت عليها الضغوط، حيث قالت الأم بصوت مبحوح: "أنا تعبت معاهم، ومش عايزة فلوس.. نفسي أشوفهم في مكان كويس".

لقد أنفقت كل ما تملك، لا رغبة في ترفٍ أو رفاهية، بل لتمنح ابنتيها فرصة حياة طبيعية، حتى لو كان آخر قرش معها، ومع ذلك، لم تتوقف، فأي رحلة أو نشاط يُعرض عليها، توافق فورًا وترافقهما بلا تردد.

أبٌ حاضر وعائلة متماسكة

ورغم قسوة الظروف، لم تكن جيهان وحدها في هذه المعركة، حيث أكدت: "باباهم عمره ما اتأخر عليهم، أي حاجة بيطلبوها بيجيبها، وإخواتهم كمان واقفين معاهم"، لتبقى العائلة سندًا صلبًا في رحلة ممتدة.

مناشدة ونداء

اليوم، وبعد هذه الرحلة الطويلة، بعد أن صارت شهد وشروق في السنة الأولى بكلية الآداب، لم تعد الأم تطلب الكثير، حيث قالت برجاء: "نفسي أشوف الدنيا كلها بتتكلم عن بناتي، وهما نفسهم يقابلوا الرئيس السيسي"، وتوجه نداءً إلى الوزارات المعنية: التضامن، التعليم، الصحة، ومبادرة "قادرون باختلاف"، أن تتبنى الحلم وتمنح الفتاتين ما تستحقانه من رعاية واهتمام.

search