السبت، 10 مايو 2025

09:17 ص

من كولر لـ بيسيرو.. هل حان وقت خصخصة الأندية المصرية؟

في هذا البلد العجيب، عند خسارة الأندية، نقول "قدّر الله وما شاء فعل"، وعندما يفوزون، نكافئ الإدارات ببرقيات تهنئة على شيء لم يفعلوه سوى توقيع العقود واستقبال الهزائم بابتسامة باهتة وكوب شاي. في بلاد الألف بطولة وصفر ميزانية، تحولت كرة القدم إلى حفلة تنكريّة كبرى؛ اللاعب يُجيد المراوغة داخل الملعب وخارجه، والمدرب يتغيّر كل شهر، أما الجمهور فيُغير أعصابه كل أسبوع.
السؤال: من يدفع الفاتورة؟
الإجابة: الدولة… أو بتعبير أدق: حضرتك.


تخيّل أن النادي الأهلي، الذي يُفترض أنه أغنى نادٍ في أفريقيا، خسر 643 مليون جنيه في ثلاث سنوات من نشاط كرة القدم. الزملكاوية لا يضحكون كثيرًا، لأن ناديهم العزيز خسر 521.5 مليون جنيه في عامين فقط.
وإذا كنت تظن أن هذه الخسائر بسبب كرة القدم فقط، فأحب أن أطمئنك؛ الألعاب الأخرى أكثر "وفاءً" للخسارة، حيث سجلت هي الأخرى ما يقرب من مليار جنيه خسائر بين الأهلي والزمالك. الدولة المصرية تدفع سنويًا ما لا يقل عن 800 مليون جنيه لدعم الأندية الرياضية، في وقت تُحرم فيه بعض القرى من أبسط الخدمات. الدعم الرياضي تحول إلى "إعاشة"، والإدارة تدير وكأننا نعيش في عصر الطباشير.

ببساطة، أصبح النادي الحكومي هو ابن الدولة المدلل، لا يُحاسب ولا يُسأل، يشتري لاعبًا بـ 20 مليون، ثم يُعيره “ببلاش”، ويُعطيه مستحقاته بعد عامين. 
بعض الناس ما زالوا يعتقدون أن "الخصخصة" معناها بيع النادي في سوق الجمعة، أو تأجيره لشركة مياه غازية! يا جماعة… الخصخصة تعني فقط أن النادي يُدار كمؤسسة اقتصادية، لها ميزانية، لها أهداف، ولها جمهور لا يُعامل كمجرد ديكور.

في البرازيل، كرة القدم تُدرّ 10% من الناتج القومي. وفي البرتغال، بيع اللاعبين جلب أكثر من مليار يورو في عام واحد. أما في مصر… اللاعب يُباع بـ "شكوى للفيفا" والإدارة تشتري بدلاً منه لاعبًا بنص ركبة وسيرة ذاتية ممتازة على يوتيوب.
تجربة نادي غزل المحلة بعد طرحه في البورصة كانت مثل "الولد الشاطر" في الفصل؛ اجتهد في صمت، لم يثر ضجيجًا، لكنه حصل على استثمارات، وأعاد للجماهير الأمل في إدارة محترفة.

هذه التجربة لو جرى تعميمها، لكان لدينا أندية مستقلة، تُحقق أرباحًا، وتُخفف العبء عن الدولة، وتُعيد للمشجع كرامته… بدل أن يصبح متفرجًا بلا صوت، يشتري التيشيرت بأربعة أضعاف ثمنه ويُطرد من الاستاد إذا تنهّد بصوت عالٍ.
في بلاد برّه، لما المدرب يخسر، الإدارة بتسأله: "فين الشغل؟" في بلادنا، لما المدرب يخسر، الإدارة بتقول: "فين الشيك؟"
القصة مع كولر مش حكاية مدرب مشي ولا نادي قاله مع السلامة… دي حكاية عقد اتكتب بقلم رصاص، وتمضى بحبر سري، وماحدش قرأه كويس. الأهلي كان فاكر إنه لما يفسخ عقد الراجل قبل ما الموسم ما يخلص بشهرين، يديله اللي فاضل وخلاص. لكن كولر، اللي واضح إنه قرأ العقد أكتر من اللجنة القانونية، قالهم: لا يا حبايبي، أنا ليا سنة كمان… ليه؟ لأنكم فسختوا العقد من طرف واحد، ولسه ما قولتوش رسمي إنكم مش عايزين تمددوا. ومن هنا بدأت حفلة المطالبات اللي وصلت لـ 3 مليون وكسور يورو، وبدأت اللجنة تدور في العقد على "الزرار اللي بيطفي المشكلة".

الخطأ مش عند كولر، الخطأ عند اللي فاكر التوقيع على العقد زي التوقيع على أوتوجراف، ماحدش بيحاسب، والموازنة سايبة، والمحاسب مشجع أهلاوي،. ونفس الفيلم بيتعرض في الزمالك، بطولة بيسيرو، اللي نتائجه بالسالب وراتبه بالملايين. الإدارة ناوية تمشيه، بس ناسية إن الزمالك عنده سجل ذهبي في الخسائر القضائية، وآخرها إيقاف القيد من الفيفا بسبب فسخ عقود المدربين واللاعبين بالحب، والإدارة بتكرر نفس الغلطة… والمحاسبة غايبة.
في الحالتين، الجمهور بيتفرج، والمدرب بيقبض، والإدارة بتهرب… والدولة بتدفع. وكأننا في نادي رياضي بموازنة وزارة التضامن.
المدهش إن العقود دي بتتوقّع وكأن الفلوس طالعين بيها من ماكينة حظ، مش من جيوب دافعي الضرائب. ميزانية النادي بقت شبه دفتر محو الأمية… كله يكتب وماحدش يراجع. طب لو الأندية متخصخصة؟ مفيش مستثمر عاقل هيدفع الملايين دي إلا لو المدرب بيطلع دهب من كل ماتش! لكن طول ما النادي مال سايب، هيفضل المدير المالي هو مشجع، والمدير الفني هو بطل الخسارة، والدولة… هي اللي بتدفع.
نحن لا نطالب بخصخصة الأندية… بل بخصخصة الفوضى. لا نُريد بيع المدرجات، بل طرد العشوائية من مقاعد الإدارة. مشكلتنا مش في المدرب اللي بيخسر، لكن في المنظومة اللي بتكافئه على الخسارة. نُريد أندية تُدار بعقل، لا بـ "مزاج"، وبميزانية تُراجع، لا تُرتجل. نُريد أن تتحول الكرة من عبء على الدولة إلى فرصة… ومن شماعة للفشل إلى منصة للنجاح. خصخصوا الإدارة قبل ما الجماهير تخصخص انتماءها… وتكتشف أن الدوري الأوروبي أرخص من التيشيرت المحلي.
 

search