
صراع العروش .. أوبببا!! | خارج حدود الأدب
في تمامِ السادسةِ وإحدى عشرةَ دقيقةً، من مساء السبت 13 يوليو 2024، وعلى المنصة الرئيسية بالمجمع الانتخابي المكشوف في مزرعة باتلر بولاية بنسلفانيا "المتأرجحة" انتخابيًا، وقف المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت "دونالد ترامب" يتحدث عن مدى خطورة تنامي أعداد المهاجرين غير الشرعيين في أمريكا، وبينما كان ينظر إلى شاشة العرض على يساره ويقول: "دعوني أريكم شيئًا محزنًا للغاية." وكأنه كان يحاكي مشهد الرئيس جمال عبدالناصر حينما قال "ديليسبس" في خطاب المنشية الشهير، ولكن جملة ترامب لم تفتح الباب لتأميم قناة بنما، إنما فتحت الباب على مصراعيه لتأمين فترة رئاسية جديدة لترامب.
ففي تلك اللحظة قطعت خطاب ترامب ثمان رصاصات دوت في الهواء لتصيب إحداها أذنه قبل أن تسيطر قوات الأمن على الموقع، وتحمل ترامب بعيدًا عن المنصة والدماء تسيل على وجهه وهو يشير بيده في قوة وتحدٍّ ويقول: “قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا.”
تلك اللحظة الهوليودية الحاسمة في تاريخ أمريكا قلبت الموازين، وأمالت المتأرجحين، تجاه ترامب، ولم يطل تأثيرها فقط جموع الناخبين، بل امتد ليطال أهم المؤثرين والأثرياء وصانعي القرار في الولايات المتحدة، فمباشرة بعد تلك الحادثة أعلن "إيلون ماسك" دعمه الكامل لترامب في تغريدة على منصته "إكس" قال فيها: "أعلن دعمي الكامل للرئيس ترامب وأتمنى له التعافي السريع." وكان ذلك بمثابة عهد جديد من التحالف بعد سنوات من التأرجح والصراع المتبادل بين اثنين من أهم أثرياء ومؤثري العالم، بل وأكثرهم نفوذًا.
فتحت هذه الحادثة خزائن ماسك لدعم حملة ترامب الانتخابية، فدعمها الأول بقرابة ربع مليار دولار، ممهدًا للأخير فوزًا مريحًا على مرشحة حزب الحمير "كاميلا هاريس"، وأصبح بذلك ماسك شريكًا أساسيًا في فريق ترامب في "Mar-a-Lago"، بل إنه لم يتوانَ عن الظهور بصحبة ترامب في الكثير من جولاته مرتديًا قبعة "Dark - MAGA" أو النسخة السوداء من قبعة ترامب الشهيرة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، والنسخة السوداء تعني عودة ترامب للسلطة بشكل أكثر قسوة وانتقامية مع خصومه.
وكان مشهد تنصيب ترامب المهيب وسط لفيف من الشخصيات المرموقة يتقدمهم بكل فخر ماسك، كتتويج وختام للفصل الأول من فصول شهر العسل المتبادل بين الطرفين، وسرعان ما تنامت الثقة، وحان وقت البدء في فصل جديد يرد فيه ترامب بعضًا مما قدمه ماسك، فأنشأ له في 20 يناير 2025 مكتبًا حكوميًا مؤقتًا، غير رسمي تحت اسم "DOGE" أو ما عُرف باسم "وزارة الكفاءة" بميزانية 40 مليون دولار، وكان الهدف الرئيسي منها رفع كفاءة المؤسسات وتقليص الهدر المالي للحكومة الفيدرالية، وهذا المنصب أتاح بالتأكيد لماسك توفير عقود طويلة الأجل من الحكومة الفيدرالية لصالح شركاته.
ومع تسارع الأحداث وتنامي الثقة، اعتبر ماسك نفسه نائبًا غير رسمي لترامب، لدرجة أن ترامب اصطحبه في أولى زياراته الخارجية للخليج العربي، وتنامت سلطاته بشكل متطرد أثار مخاوف الفيلة "أعضاء الحزب الجمهوري" مما أنذر بصدام مصالح وتنازع سلطات وشيك، وبالفعل، وأثناء جولة الرئيس الأمريكي وماسك بالخليج العربي في شهر مايو الماضي، بل قبل ذلك بقليل، كانت نيران الخلاف تستعر تحت الرماد، ولم تكن فصول شهر العسل في ازدهار وصفاء، بل شابها من عكارة الخلافات ما شابها، بل وكتب نهايتها التعيسة، وإليك التفاصيل…
فقد بدأت جذور الخلاف تتمدد في الأرض الصلبة التي كان يقف عليها الحليفان مع إعلان البيت الأبيض في مارس من هذا العام عن مسودة قانون "الفاتورة الواحدة الجميلة" "OBBBA" وهو باختصار قانون يحاكي الميزانية العامة للولايات المتحدة الأمريكية، وسُمي بالفاتورة الواحدة لأنه دمج في مشروع قانون واحد أوجه التخفيضات الضريبية والإنفاق الدفاعي واقتطاعات برامج الرعاية وهيكلة الديون.
وكانت أسباب اعتراض ماسك على هذا القانون تتلخص في نقطتين أساسيتين، الأولى هي خفض الإنفاق على البرنامج الفضائي والبيئي مما يقلص أو يلغي عقودًا ما بين الحكومة وشركات ماسك "SPACEX" و"TESLA"، والسبب الثاني أن هذا القانون يسمح بزيادة كبيرة في الدين العام مما يتنافى مع أهداف إنشاء "DOGE" من الأساس، ويمكنك بالتأكيد أن تستشف أولويات ماسك.
وبدأت الخلافات ما بين ماسك ووزير الخزانة الأمريكية الذي طرح القانون، تطفو على السطح أمام الإعلام مع بداية مناقشات القانون في منتصف أبريل، واحتدم الخلاف ليصل لدرجة الاشتباك اللفظي في إحدى الجلسات التي كانت بتاريخ 24 أبريل، حينما انفعل وزير الخزانة على ماسك وقال له: "عليك اللعنة" - بالطبع ذلك بحسب ترجمة معامل أنيس عبيد - ليرد عليه ماسك بعنف شديد، ثم تتعقد الأمور أكثر مع نهاية الشهر ذاته حينما أقدم ماسك على دفع وزير الخزانة بكتفه أثناء خروجهما معًا بعد إحدى الجلسات، ليقوم الوزير بالرد بلكمة قوية في وجه ماسك كما نشرت الصحف فيما بعد.
وتتوالى الأحداث فيما بعد معلنة انتهاء آخر فصول شهر العسل القصير، فبعد تقديم مسودة القانون رسميًا لمجلس النواب في بداية مايو، يخرج ماسك علنًا في منتصف الشهر ليعلن معارضته للقانون ويصفه بالقانون الفاضح والمقرف، بل إنه وصفه بأنه "رجس"، ثم يمرر مجلس النواب القانون قبل نهاية الشهر، وقد تصادف في نفس التوقيت أن ماسك كان قد رشح أحد أصدقائه لرئاسة "ناسا"، وقد بارك ترامب هذا الترشيح في البداية، إلا أن الأخير سحب الترشيح قبل نهاية شهر مايو أيضًا، ليعلم ماسك أن رصيده قد نفد، وأن فصول شهر العسل انتهت سريعًا، فيُقدم ماسك على إعلان انسحابه رسميًا من "DOGE"، وحرصًا من الرئيس على حفظ ودية العلاقات رغم الخلافات، أقام حفل وداع لماسك في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في 30 مايو، وأهداه مفتاحًا ذهبيًا للبيت الأبيض وأشاد بإنجازاته، وكان الوداع وديًا للغاية.
إلا أن ماسك بعد خروجه رسميًا من الحكومة لم يلتزم الصمت، ولم يحفظ الود، فبعد أيام قليلة شن حرب تصريحات ضروس عبر منصته "إكس"، طالت قذائفها قانون "أوبببا" والحكومة والحزب الحاكم وترامب شخصيًا، فقد اتهم ترامب بالتستر على ملفات فضيحة "أبستين" الجنسية الشهيرة لتورط ترامب في تلك الملفات، بل إنه دعا لسحب الثقة من ترامب وتولية "جي دي فانس" نائب الرئيس - وصديق ماسك بين ظفرين -، وطالب في تغريدة أخرى بإنشاء حزب سياسي ثالث ينافس الأفيال والحمير، ليشتعل ترامب غضبًا ويدخل على الجبهة الأخرى من حرب التصريحات، وكان الخاسر الأكبر من تلك الحرب هو ماسك نفسه الذي خسرت شركته "تسلا" نحو 150 مليار دولار من قيمتها السوقية، وقدرت خسائر ماسك الفعلية من ثروته بنحو 34 مليار دولار في يوم واحد.
ومع تلك الخسائر الفادحة لماسك، وبالطبع مع خوف ترامب من تأثير ونفوذ ماسك عبر منصته، إضافة إلى الكثير من مساعي الوسطاء لاحتواء الخلاف، سحب ماسك تغريداته وتوقف ترامب عن تصريحاته، في حالة من الهدنة المؤقتة المحفوفة بالكثير من المخاطر التي تهدد اقتصاد العالم ككل، بل وتدفعه نحو حافة الجنون. الجنون الذي وصف به ترامب ماسك، وجنون العظمة الذي لا تكاد تخطئه عين في تصرفات ترامب، فهل تلك الهدنة ستكتب الفصل الأخير والنهاية لصراع العروش هذا، عروش السلطة والمال والقوة والشهرة والسيطرة؟ أم أن هناك فصولًا ومشاهد هوليودية جديدة؟وعلى ذكر المشاهد الهوليودية، نعود سريعًا إلى الفقرة الافتتاحية، أتتذكر صديقي ذلك المشهد الهوليودي الذي تحدثنا عنه في البداية، مباشرة قبل محاولة اغتيال ترامب في بنسلفانيا؟ حينما كان يستعرض ترامب مخاطر المهاجرين غير الشرعيين، فإن هذا المشهد أصبح واقعًا يحاكي أفلام الرعب، فقد بدأ ترامب في الآونة الأخيرة حملات ترحيل المهاجرين من ولايات ومدن عدة من ضمنها كاليفورنيا وتحديدًا مدينة لوس أنجلس، مما أشعل فتيل الغضب والاحتجاجات في تلك المدينة، قبل أن تتصاعد وتيرة الاضطرابات لتشتعل أعمال العنف المتبادل بين المحتجين وقوات الأمن، مما دفع ترامب لتجاوز سلطات حاكمة لوس أنجلس وحاكم ولاية كاليفورنيا نفسه بإجراءات سيادية أشعلت خلافًا جديدًا وكبيرًا لترامب، في ظل استعار الإضرابات في لوس أنجلس، التي تتناولها الصحافة هناك على أنها شرارة حرب أهلية.
فهل يستطيع ترامب فرض سياساته بالقوة والحسم، وفرض فلسفته الخاصة "DARK-MAGA"؟ هل يستطيع التغلب على خصومه وسحقهم، كما هي سياسته المحببة دائمًا؟ أم ستخرج الأمور في أكبر قلعة ديمقراطية في العالم "خارج حدود الأدب"؟

الأكثر قراءة
-
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة قنا الترم الثاني 2025.. رابط مباشر
-
إسكان النواب تجيب.. هل أرسلت الحكومة تعديلات على قانون الإيجار القديم؟
-
"استمعوا لنا ولم يناقشونا".. هل يستجيب "النواب" للطلب الأخير للملاك والمستأجرين؟
-
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة أسيوط برقم الجلوس 2025
-
نتيجة سنوات النقل للتعليم الأساسي 2025 بالمحافظات.. احصل عليها
-
بالاسم ورقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة البحيرة 2025
-
لا يعني بيعها.. الحكومة تحسم الجدل حول تخصيص قطعة أرض بالبحر الأحمر
-
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة بني سويف 2025.. رابط مباشر

مقالات ذات صلة
حمّام زاهي حواس | خارج حدود الأدب
27 مايو 2025 12:41 م
إعلان اتصالات .. بطل من ورق | خارج حدود الأدب
20 مايو 2025 09:55 م
وعد بلفور.. وحرب كشمير | خارج حدود الأدب
10 مايو 2025 09:03 م
"إيه سفن إيه"... يا كورة |خارج حدود الأدب
14 أبريل 2025 01:47 م
أكثر الكلمات انتشاراً