
هدى العجيمي.. وجع في القلب
منذ أيام قليلة تجاوزت الشهر، كنتُ في رحابها الطيب، المتواضع، وفي رحاب بيتها العتيق، ذاك البيت الذي حرصت أن تُعلِّق على جدرانه صورتها مع العملاق الدكتور طه حسين، وقصيدة لإحدى الشاعرات، كُتبت فيها في وصف مناقبها المتعددة… هي الراحلة، الإذاعية الكبيرة هدى العجيمي.
نعم، ذهبتُ إلى تكريمك الذي وعدتكِ به منذ عامين، والذي تأخر بسبب الظروف الطارئة المتكررة، تارة من جهتك، وتارة من جهتي...
كانت، كعادتها، رقيقة، راقية، كريمة في استقبالنا، أنا وصديقتنا الحبيبة المشتركة، الإذاعية القديرة عزة جنيدي. ارتدت ألوانًا بهيجة كابتسامتها الطيبة، وبذلت كل جهدها لإسعادنا، من خلال حديثها الشيق عن ذكرياتها مع الأسماء الشهيرة في عالم الفكر والأدب والإبداع، وضيافتها الكريمة لنا… حيث أصرّت أن تقدم لنا الحلوى والمخبوزات المالحة من صنع يديها، وألحت علينا لتناولها.
هذه الإذاعية، والأديبة، والمثقفة، والمبدعة… العجيمي، بطبعها، قدمت لنا الكثير من الأقلام النابضة بالإبداع. ساهمت في صناعة أسماء شهيرة في عالم الأدب والثقافة، حتى إنك ترى مكتبتها زاخرة بكتبهم التي وقعوا عليها بأيديهم.
نعم، لم تألُ جهدًا في أن تواصل عطاءها المتدفق، رغم بلوغها الثمانين من عمرها. فكتبت سيرتها الذاتية، وعشقها لمدينتها بورسعيد، ورحلتها مع الإذاعة المصرية العريقة، تحت عنوانين منفصلين: "قصة عشق" و"سنوات الحرب والحظ". فوجدت اهتمامًا كبيرًا من جانب المبدعين، من كُتاب وشعراء ومثقفين، الذين لم ينسوا فضلها عليهم. وكان ذلك دافعًا كبيرًا لها، حفّزها على كتابة عشرين قصة قصيرة.
وقد أسرت لي، بفرحها الشديد، رغبتها الملحة في نشرها قريبًا، مؤكدةً أنها ستكون آخر ما تكتبه في حياتها... لكن حلمها لم يكتمل. رحلت دون أن تراه يتحقق، تاركةً أمنيتها حائرة، تُحلّق بين خفايا ما كتبته من أسرار وحكايات.
فرحت كثيرًا بدرع التكريم الذي قدمته لها، والذي أعجبها شكله كثيرًا، فقررت أن تحتفظ به ضمن مقتنياتها الثمينة. كما أثنت على ما قدمته لها من مؤلفاتي الشعرية والتاريخية، التي تصفحت بعضها، وبادرتني قائلة:
"أسلوبك هو السهل الممتنع. فلتكملي مسيرتك وعطاءك الأدبي... فما زال داخلك فيض من الإبداع، ونشاط هائل، لا تهدريه ولا تتكاسلي."
نعم، ابتسامتها كانت بمثابة شعلة، ملأتني بالنور والحماس، للعودة إلى معشوقتي "الكتابة"، التي هجرتني منذ زمن.
نعم، أيتها الهُدى… يا من حملتِ الكثير من صفات اسمك، فكنتِ هُدىً لكثير من المبدعين نحو الطريق الصحيح... ما زالت كلماتك الحزينة ترنّ في أذني، وأنين صوتك يوجع قلبي، وأنتِ تطلبين مني الدعاء قبل إجراء عمليتك الخطيرة، إثر سقوطك أرضًا، تلك التي أودت بحياتك الطيبة.
دعوتُ لكِ… وطمأنتكِ كثيرًا… لكنك خالفتِ الدعوات، وهاجرتِ الاطمئنان، ورحلتِ في هدوء يشبه ابتسامتكِ الرقيقة، دون أن أُنفذ وعدي لكِ بأن أزورك، أنا وصديقتي، مرارًا وتكرارًا، وأهديك باقة الزهور الأخيرة… التي كنتُ قد وعدتكِ بها.

الأكثر قراءة
-
رسميا.. الرئيس السيسي يصدق على تعديل قانون الإيجار القديم
-
فرص عمل جديدة في بنك مصر.. اعرف الشروط
-
جهز ورقك.. البريد يستعد لاستقبال المواطنين لحجز "سكن لكل المصريين 7"
-
"لا للمماطلة".. كيف تغير قانون الإيجار التمليكي "الـ59" بالتعديلات الجديدة؟
-
تفاصيل شروط مبادرة سكن لكل المصريين 7 ورابط التقديم
-
قبل بدء التصويت بانتخابات الشيوخ.. اعرف مكان لجنتك بالرقم القومي
-
وسط حراسة مشددة.. وصول "علياء قمرون" إلى النيابة الاقتصادية بالقاهرة
-
بعد تصديق الرئيس عليه.. متى يتم تطبيق قانون الإيجار القديم؟

مقالات ذات صلة
عودة قابيل
28 يوليو 2025 10:34 ص
نيران نيرون.. من روما إلى قاهرة المعز
21 يوليو 2025 03:11 م
علاقات التاتش والضغطة.. ما بعد الفراق
13 يوليو 2025 06:55 م
عرائس الجنة.. دماء على الأسفلت
08 يوليو 2025 11:12 ص
أكثر الكلمات انتشاراً