"بوز الإخص"

"خفة دم" المصريين وعبقريتهم تتجلى في اختيارهم لكلمة واحدة ممكن يوصفوا بها شخص أو وضع لا يعجبهم ويستغنوا بهذه الكلمة عن شرح قد يطول لأشهر لمن لا يفهم هذه الجملة.

من هذه الجمل العبقرية جملة "بوز الإخص" التي يصف بها المصريين الشخص الكشر النكدي العابس الوجه دائما الذي لا يضحك ولا يحمل في قلبه سوى الغم والهم ولا يريد أن يرى سعيد واحد على وجه الأرض.
المفاجأة أن "بوز الإخص" التي يستخدمها المصريين ببساطة وعفوية شديدة هي اسم لطائر فعلا كشر ونكدي الوجه والجوهر ومتلون.. هذا الطائر اسمه الحقيقى "فم الضفدع"، ويطلق عليه البعض طائر النكد.. يعيش فى سيرلانكا والهند وموطنه الأصلي الغابات الاستوائية... وهاجرت بعض من هذه الطيور إلى مصر ولأن وجهها عابس كشر شرير أطلقوا عليه هذا الاسم... فمن صفات هذا الطائر بوزه طويل وأنه لا يضحك أبدا وعندما رآه المصريون لقبوه  بطائر النكد ثم "بوز الإخص"، ومن يومها كلما شاهد المصري شخص لا يبتسم ووجهه عبوس يناديه يا “بوز الإخص”.

"بوز الإخص" له صوت يشبه صوت الضفادع في الليالي حالكة الظلام وموهوب في التخفى بين أفرع الشجر والتلون بلون كل فرع يقيم فيه حتى لو لفترة محدودة، ويتغذى على كل ما تطوله يده، حشرات حيوانات إنسان لا فرق.
"بوز الإخص" يمتلك حاسة سمع قوية جدا... يسمع دبة النملة.. وقد يكون هو السبب الرئيسي في جملة عبقرية أخرى يطلقها المصريين بكثرة "الحيطان لها ودان".

طائر النكد بيستخدم حاسة السمع هذه في اصطياد ضحاياه وافتراسهم في الليل.. والعجيب أنه يستطيع افتراس ثعلب كبير أو كلب صغير أو قطة رقيقة تمر في طريقه لتعلم كم هي منحوسة وسيئة الحظ والطالع.. يفترس حتى الضفادع التي يسرق صوتها وقت الخطر..  يجلس على غصن الشجرة يسترق السمع كشيطان رجيم يراقب فريسته بصبر لزج حتى تقع في فمه الضخم فيبتلعها بكل سهولة.
"بوز الإخص" يعيش في جماعات لا يبتعد أبدا عن فصيلته يحتمي بها وعندما يتعرض للخطر يصدر هسيسا وفحيحا كما الأفعى.. نداء ناعم وعميق.. أزيز لا ينقطع فتلتف حوله كل طيور النكد وتشكل "بوز إخص" جماعي مرعب تتحول فيه الشعيرات حول منقارها القصير الدميم إلى أشواك تقطع بها كل من يقترب منها أو يهدد مصالحها.

"بوز الإخص" أستاذ في التخفي والتلون من وقت لآخر ينفش ريشه ليبدو أكبر من حجمه الحقيقي ويفتح فمه الكبير ليبدو مخيفا مرعبا على عكس حقيقته.

"بوز الإخص" للأسف الشديد يريد الكل مثله.. متشائم حزين كشري بكسر الكاف.. لو رأى إنسان سعيد يضحك لا يتركه إلا إذا حول فرحه لحزن وابتسامته لتكشيرة.. بارع في تعكير صفو الناس لا يتركهم إلا مهمومين يعتصرهم الحزن والغم والهم.. وقتها فقط يفرح بشدة ولكن حتى في هذه اللحظات النادرة لن تلاحظ تغير كبير في وجهه.. يبخل بالسعادة حتى على نفسه.. وأسعد أوقات حياته التي تمتد وفقا لعلماء الطيور من 15 إلى 20سنة عندما يراك حزينا مكتئبا.. متكدرا مغموما.. وقتها سترى الشماتة والتشفي في عينيه الواسعتين كما عينا البومة.. لن يتردد في إلقاء المزيد والمزيد من الحزن.. تسويد الدنيا في عينيك.. يدفعك دفعا نحو الاكتئاب والمزيد من الحزن.
"بوز الإخص" بارع في منع الخير... حاسد حاقد يتشفى في الجميع.. ليس له صديق.. ولن تجد أحد يحبه.. قد يكون حوله من ينافقوه لكنه أبدا لا يجد الحب ولا تستسيغ نفسه الدنيئة سوى النكد يريد أن يوزعه على الدنيا كلها.. يلون به أيام الناس.

"بوز الإخص" ستراه يحسد ويحقد  حتى في المرض سيردد سريعا "هيرتاح من الشغل وقرفه كام يوم" ثم يبدأ في ترويج أنك تتمارض للحصول على الإجازة.. أما لو عرف أنك ستسافر  في رحلة أو مصيف فالويل كل الويل لك ولأسرتك ولكن من حولك.. لن يتركك حتى يصيبك الغم والهم وتتمنى ألا تذهب، فبوز الإخص لن يتوقف عن ذكر مساوئ اختيارك للتوقيت واختيارك للمكان الذي ستقضي فيه إجازتك.. ولن يتوقف عن الحسد لأن معك أموال تستطيع بها السفر والترفيه عن نفسك.

"بوز الإخص" يحقد ويحسد حتى الموتى.. "ارتاحوا من تعب الدنيا" ستراه يرددها دائما.. ولو كانت الوفاة في رمضان أو يوم جمعة سترى منه كمية حسد وغل لا مثيل لهما.. فقط  لأن المتوفى صعدت روحه في أيام مباركة.. أيام فيها الرحمة والمغفرة.. يحسدك على مكان المقبرة واتساعها وقربها من المدينة.. بوز الإخص وقتها ينطبق عليه فعلا جملة عبقرية أخرى من جمل المصريين "لا بيرحم ولا بيسيب رحمة ربنا تنزل".
ألم أقل لكم أن بوز الإخص نكدي الشكل والجوهر محروم من الابتسامة والفرح.."وشه مقلوب" ليل ونهار.. كثير الشكوى كثير الأنين.. سارق للأرواح.. يصيب روحك بالهم والغم ستجده حتى في كتاباته على مواقع التواصل الاجتماعي لا يقدم لك إلا كل ما يغم وينكد على الناس.. يكره الفرح والنور والخير.. يدمن الظلام والشر والعبوس.. روحه تواقة للمر والحنظل.
ألم أقل لكم أن "بوز الإخص" تعبير مصري عبقري يلخص ويصف ببساطة ويسر صفات أشخاص حاقدة عابسة كئيبة تكره نفسها والناس.
صدقوني تلخيص  صفات "بوز الإخص" لرصدها وشرحها.. تحتاج لكتب وليس مجرد مقال.