
5 يونيو 1967.. من النكسة إلى اليقظة
يعتقد البعض أن ذكرى 5 يونيو لعام 1967 كانت هزيمة كبيرة لمصر، لكن هناك خلطًا شائعًا في هذا التصور؛ فليس معنى خسارة جولة أن ذلك يُعد هزيمة كاملة.
الهزيمة تعني الاستسلام والانصياع لشروط العــدو، وتعني تنفيذ أوامره بالكامل، كما حدث مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى حين استسلمت ووقّعت معاهدة فرساي، أو كما فعلت اليابان عام 1945 بعد إلقاء أمريكا قنبلتي هيروشيما وناجازاكي.
الهزيمة بهذا المعنى المرّ لم تحدث في مصر. فعلى الرغم من الخسارة الفادحة التي تكبدتها قواتنا المسلحة، واحتلال إسرائيــل لمساحة قدرها 88 ألف كيلومتر مربع – شملت سيناء، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وغزة، ومرتفعات الجولان – فإن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لم يُقر بالهزيمة، ولم يرفع الراية البيضاء.
بل على العكس، ظلّت عزيمة المصريين صلبة، واستمروا في الصمود والنضال. وهنا لا بد أن نُدرك الأسباب الحقيقية لذلك العدوان الغادر على مصر والدول العربية:
أولًا: الأسباب الحقيقية وراء العدوان
1. النهضة الوطنية والمشروع الصناعي المصري
كان السبب الرئيسي لتحالف الغرب والصهيونية ضد مصر في 1967 هو النهضة العظيمة التي شهدتها مصر في ظل حكم عبد الناصر: إنشاء أكثر من 4 آلاف مصنع، وبناء السد العالي، وتوسيع قاعدة الجامعات، واكتشاف آبار البترول، وتحديث الإنتاج الزراعي، وتأسيس مفاعل أنشاص، والدخول في عصر البحث العلمي، وإنشاء الإذاعة والتلفزيون، حتى أصبحت مصر تُلقّب بـ"هوليوود الشرق".
2. كسر المشروع العربي التحرري
سعت الصهيونية إلى ضرب المشروع المصري–العربي الذي قاده عبد الناصر، الهادف إلى تحرير كامل الوطن العربي من الاستعمار والإمبريالية.
3. إضعاف القوة العسكرية المصرية
أرادت القوى المعادية كسر الهيمنة العسكرية المصرية في الشرق الأوسط، تمامًا كما جرى من قبل ضد مشروع محمد علي باشا في مؤتمر لندن عام 1840.
4. تمكين المشروع الصهيوني الاستيطاني
كان الهدف الأساسي هو تمكين المشروع الصهيوني–الإمبريالي من التوسع والهيمنة في المنطقة، وفرض واقع جديد على الأرض.
ثانيًا: تصحيح المفاهيم التاريخية
من الأخطاء الشائعة أن تُسمّى حرب 1967 بـ"حرب الأيام الستة"، بينما هي في الحقيقة حرب الأيام الخمسة. لكن الصهيونية – كما اعتادت – تحاول دائمًا ربط الأحداث بأبعاد دينية وتاريخية مزيفة، مثل خرافات التلمود التي يتبناها اليمين الصهيوني.
ثالثًا: الصمود والمواجهة بعد النكسة
لم يُعلن الزعيم عبد الناصر استسلامه، بل أصرّ على مواصلة النضال. وبعد 15 يومًا فقط من العدوان، لقّنت قواتنا المسلحة العدو درسًا قاسيًا في معركة رأس العش. كما أعادت مصر بناء قواتها المسلحة في ظرف ستة أشهر فقط، وبدأت أعظم مراحل المقاومة في حرب الاستنزاف، التي استمرت حتى عام 1970.
رابعًا: الهزيمة ليست نهاية المطاف
من يُلصق الهزيمة بالزعيم عبد الناصر يتجاهل حقائق التاريخ؛ فكم من قادة ودول عظمى خسروا جولات، لكنهم لم يُهزموا:
- نابليون بونابرت خسر 600 ألف جندي من أصل 640 ألفًا في حملته على روسيا.
- الولايات المتحدة تكبّدت خسائر فادحة في بيرل هاربور، ثم في معركة كاسيو في فيتنام.
- فرنسا سقطت في يد ألمانيا النازيــة عام 1940، ودخل هتــلر ميدان الشانزليزيه، واقتربت قواته من لندن ذاتها.
كل ذلك لم يكن "نهاية التاريخ"، بل جزءًا من صراع طويل. وكذلك كانت نكسة يونيو: جولة خاسرة، لكنها لم تكن نهاية المطاف.
خامسًا: إسرائيل لم تنتصر
رغم تفوق إسرائيل العسكري، فإنها لم تستطع كسر إرادة المصريين أو هزيمة الروح القتالية لقواتنا المسلحة. لقد انتصر الصمود، واستمرت المقاومة، وما زالت إرادة الشعوب العربية ترفض الانكسار.
وستظل مصر، كما كانت، حصن العروبة القوي الذي تنكسر أمامه أحلام الأعداء.
حفظ الله مصر، وحفظ أوطاننا العربية من كل سوء.

الأكثر قراءة
-
توقيت مباراة الأهلي ضد باتشوكا وديا.. والقنوات الناقلة
-
64 غرزة في وجه طفل بعد اعتداء سائق توصيل.. ووالدته: "مش هسيب حق ابني"
-
"20 ضعفًا للقيمة".. النواب يحسم معيار الزيادة في الإيجار القديم بعد عيد الأضحى
-
محافظ بورسعيد يهدي "عِجلا" للجامعة بمناسبة عيد الأضحى
-
مسيحيون ينحرون عجلًا ويوزعونه على الأسر الأولى بالرعاية في عيد الأضحى
-
نتيجة الصف الثالث الإعدادي محافظة الإسكندرية الترم الثاني برقم الجلوس
-
مصدر مقرب من عائلة إسماعيل الليثي: "الفيديو هيتمسح.. ومفيش خطف"
-
هل يجوز نحر الأضحية ثاني أيام العيد؟.. دار الإفتاء توضح

مقالات ذات صلة
كأنهم رؤوس الشياطين
27 مايو 2025 12:06 م
مصر وفلسطين.. مقاربة استراتيجية لدور إقليمي فاعل
21 مايو 2025 12:56 م
لماذا فشل نتنياهو في تغيير الشرق الأوسط؟
15 مايو 2025 03:32 م
تاريخ الصراع بين الهند وباكستان أسباب للأزمة الحالية
07 مايو 2025 11:09 ص
أكثر الكلمات انتشاراً