 
                                    حين يضيق البعض ببريقك
من المقولات التي ترسّخت في وعينا الجمعي "الصديق وقت الضيق"، و"الشدائد تظهر معادن الناس"، وكأن الإنسان لا يختبر إلا في عتمة الشدائد ولا يكشف جوهره إلا تحت وطأة الألم، وكأن الشدائد وحدها هي التي تفضح الأقنعة وتكشف نوايا القلوب.
صحيح أن الشدائد كاشفة لكنها ليست وحدها المعيار. هناك اختبارات أخرى أكثر خفاء أحيانا. لا نجري في ظلام الشدائد، بل في ضوء النجاح، بل حين تنجح، حين تلمع، حين تقف شامخا، وهنا فقط ترى من يضيق ببريقك ومن يتسع له.
كم مرة اكتشفنا أن البعض لا يتحمل رؤيتنا ننجح، لا لأننا ظلمناهم، بل لأننا تجرّأنا على التقدم خطوة أبعد منهم. كم من علاقة طيبة تآكلت بصمت، لا بفعل الخذلان وقت الحاجة، بل بفعل الغيرة وقت التقدم. البعض لا يتحمل أن تكون بخير أكثر منه أو ناجحا قبله أو محبوبا من الناس أكثر منه، والبعض يخفي غيرته في ثوب المزاح.
في لحظات الفرح تظهر وجوه أخرى. وجوه تبتسم لك بفتور، تبارك لك بكلمات محفوظة، يغلف حسده بتصاريح باردة أو صمت خانق. يحدث أن تنجح وتظن أن أقرب الناس إليك سيقف خلفك، فيظهر العكس. كم من قريب اكتشفنا أنه لا يحتملنا حين نحلق في النجاح، وكأن النجاح يشبه الضوء الكاشف، لا ينير فقط ما حولك، بل يكشف أيضا من يضيفه النور. لا تبحث فقط عمن يصفّق، بل عن من تلمع عيونه لأنك تلمع.
ليست الشدة وحدها هي غربال العلاقات. النجاح أيضا غربال لا يقلّ قسوة. الأول يكشف من يحبك دون مقابل، والثاني يكشف من لا يحتملك إلا ما دمت دونه.
هذه المواقف ليست استثناء، بل جزء من تجارب إنسانية شائعة، مسكوت عنها لأن المجتمع يغفر الغياب وقت الفرح لكنه لا ينسى الغياب وقت الانكسار، مع أن كليهما وجهان لنفس العملة، معدن الإنسان.
فمن يفرح لك بصدق دون حسابات داخلية، دون أن يرى في نجاحك مرآة لفشله، هو شخص نادر، نادر كـ أولئك الذين يأتون في لحظة انهيارك فيحملونك على أكتافهم، ونادر كمن يراك تحلّق فلا يحاول قص جناحيك سرا.
لذلك حين تنجح لا تلتفت فقط للضوء الذي أحطت به نفسك، بل انظر إلى من ظلّ واقفا بقلبه معك، لأن هؤلاء هم الذهب الحقيقي في حياة أي إنسان.
فالاختبار الحقيقي للعلاقات ليس فقط أن تكون معي وأنا أحتاج، بل أن تفرح لي حين لا أحتاجك.
فالبعض لا يحتمل ضوءك، لا لأنك آذيتهم، بل لأنهم يٌخيل إليهم أنك انتزعت شيئا من أيديهم، وكأنك سرقت مجدا كان من حقهم، فيغدو نجاحك جريمة غير معلنة، وكأنهم لا يطيقون أن تفرح بنجاحك دون أن ترفق نجاحك باعتذار أو تنازل عنها إكراما لحساسيتهم المرهفة تجاه نجاحك.
فاحرص على الذين بفرحون لفرحك بصدق، هؤلاء نادرون، بل ربما أغلى كثيرا من الذين بقوا معك وقت الألم.
 
        الأكثر قراءة
- 
                استغرق تنفيذه 16 شهرًا، مسؤول إضاءة معروضات المتحف المصري الكبير يروي تفاصيل المشروع العملاق
- 
                مجانًا بالذكاء الاصطناعي، كيف تحول صورتك لملك فرعوني للاحتفاء بافتتاح المتحف المصري الكبير؟
- 
                تنبيه عاجل من كهرباء مصر العليا بشأن خدمة الشحن المسبق
- 
                تعليم الأقصر تتابع تطبيق البرنامج القومي لتنمية مهارات اللغة العربية
- 
                من الشرع إلى محمود شعبان.. كم رجل اعتلاكي؟!
- 
                رحمة محسن بعد أزمة الفيديوهات: "الكل عمل معايا الواجب ومش محتاجة مساعدة" (خاص)
- 
                "معرفش يوقعها".. محامي رحمة محسن يكشف ما وراء "الفيديو المسرب"
- 
                بالتزامن مع افتتاح المتحف الكبير.. "تليجراف مصر" تطلق مبادرة "5 ملايين صورة لكل شبر في مصر"
 
        مقالات ذات صلة
إعادة الاعتبار للتناحة الزوجية: دفاعا عن الصمت والتجاهل
31 أكتوبر 2025 08:12 ص
العلاقة الحميمية بعد الخمسين.. دفء لا يعرف انتهاء الصلاحية
24 أكتوبر 2025 08:38 ص
أنا من صنعتك من هواي ومن ظنوني!
17 أكتوبر 2025 09:15 ص
إلى كل لامين يامال.. لماذا يتعلق الصبيان بالمرأة "الناضجة اللعوب"؟
10 أكتوبر 2025 09:08 ص
نساء النصر وقلوب الفقد.. سلامٌ يليق بمن صبرن فانتصرن
05 أكتوبر 2025 05:20 م
إلى متى ستظلين ساذجة عاطفيا؟
03 أكتوبر 2025 09:27 ص
لماذا يقع البعض في إدمان تصوير وتوثيق اللحظات الحميمية؟!
26 سبتمبر 2025 08:20 ص
الغريزة والعاطفة.. أيهما يقود قلب الرجل حقًا؟
19 سبتمبر 2025 08:36 ص
أكثر الكلمات انتشاراً
 
                     
                         
                         
                         
                         
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                     
 
