الأربعاء، 20 أغسطس 2025

10:04 م

هنا جامعة القاهرة.. منارة المجد وعرين العظماء

في موضع القلب من أرض الكنانة، حيث تتلاقى حضارة الأجداد بصرامة الحاضر، وترتسم ملامح المستقبل بعين العلم، ترتفع جامعة القاهرة شامخة شامخة، كجبل صلد لا تنال منه رياح الزمان، كمنارة من نور لا يخبو سناه، بل يتوهج في ظلمات الجهل والضياع.

جامعة القاهرة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، ولا مجرد قاعات تتعاقب عليها الأجيال، بل هي روح الأمة النابضة، وذاكرة الوطن الخالدة، ومهبط النهضة التي أشرقت من قلبها، وموئل العظماء الذين نسجوا تاريخ مصر الحديث وشيدوا صرح حضارتها، وبلوروا فكرها، وصنعوا هويتها في محيط الأمم.

منذ انبثاقها على أبواب القرن العشرين، كانت جامعة القاهرة ثورة فكرية متجددة، لم تكن من قبيل الصدف أن تحمل اسم مصر، بل كانت ترجمة صادقة لروحها، ومجسداً لعزيمتها في مواجهة الجهل والاستبداد، وتكسير أغلال التخلف، لتصبح أول منارات العلم الوطني، تفتح ذراعيها لكل ابن وبنت من أبناء هذه الأرض الطيبة، دون تمييز، دون استثناء، في جنباتها ترعرع الفكر، ومن صروحها انطلقت القامات، وأشعلت نار المعرفة التي كانت لها أن تضيء دروب الأمة، وتنير عقولها بما يصونها من الضياع.

هنا، بين دفتيها، رسم طه حسين لوحات الأدب العربي بعبقريته، ونسج نجيب محفوظ قصص الإنسانية وحكايا الوعي، وهتف مصطفى محمود بأناشيد الفكر والعقل والروح، هؤلاء ليسوا سوى رموز لا تتكرر، أعلام شقت دروب المجد، ووضعت لمصر علامة فارقة على خارطة العالم.

ويزداد فخرنا حين نتذكر أن أول محطة رئاسية زارها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد أن حمل أمانة الوطن، كانت جامعة القاهرة في 28 سبتمبر 2014، تلك الزيارة التي لم تكن مجرد مناسبة عابرة، بل كانت رسالة بليغة، ودعوة صريحة لتجديد عهد العلم، وإحياء دور الجامعة كمهد للنهضة والتقدم، ومنبع الثقة التي تسهم في بناء وطن قوي متين، إنها شهادة عالية المدى على عمق المكانة التي تحتلها الجامعة في وجدان القيادة، ومرآةٌ صادقة تظهر أن الطريق نحو الغد لا يمكن أن يشق إلا بأيدي أهل العلم والوعي.

جامعة القاهرة ليست جامعة تدار عبثا، ولا تنهض على أسس ضعيفة، بل هي مؤسسة وطنية ذات رؤية واضحة، ونهج علمي دقيق، وسير ثابت على خطى الانضباط والصرامة في البحث والتعليم، يقودها رجال من طينة العلماء الأجلاء، قامات فكرية شامخة، يحملون الأمانة بنزاهة وكفاءة، فلا تسمح لهم عواصف الزمن أن تحيد عن جوهر الرسالة، هؤلاء هم النبلاء الذين حملوا شعلة الجامعة، وكتبوا بأفعالهم صفحاتٍ من مجدها، ورفعوا اسمها عالياً في سماء الفكر والإبداع.

جامعة القاهرة ليست مجرد اسم أو مكان، بل عهد حي، ومشروع حضارة مستمر، ومنارة فكر أبدية، من يطأ عتباتها لا يعود كما كان، بل يولد من جديد، يحمل بين جوانحه مشعل العلم، وقلبه وطن، وقلمه سلاح الحرية والصدق، فليعل صرحها، ولتتقد نارها، ولتقرع طبولها... فهنا جامعة القاهرة، حيث لا تنطفئ جذوة الإبداع، ولا تنحني راية الكرامة، ولا يهدأ صهيل الطموح إلا إذا بلغ عنان السماء، وستظل دوما فخر مصر وعز العرب ووهج الحضارة.

إنّ المسؤولية الإدارية والتاريخية التي تستقر على كاهل من يتولون زمام جامعة القاهرة، ليست محض واجب إداري، بل هي أمانة وطنية تجبرنا على الوقوف لهم وقفة إجلال وإكبار، لا لأنهم في موقع القيادة فحسب، بل لأنهم يسيرون على جمر من التحديات، ويواجهون بصدورهم المكشوفة معركة البقاء والتقدم في قلب صرح لم يعرف يوما الانحناء.

وعلى رأس هذه القافلة النبيلة، يقف الفقيه القانوني المستنير، الأستاذ الدكتور محمد سامي عبدالصادق، رئيس جامعة القاهرة، بحكمة العالم، وصلابة القائد، ووعي رجل الدولة الذي يدرك أن قيادة جامعة كالقاهرة ليست وظيفة، بل مصير وحمل تاريخ،  إلى جواره، العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا، حامل شعلة البحث الراقي، ورافع راية الاجتهاد والمعرفة، والدكتور أحمد رجب، نائب شؤون التعليم والطلاب، والدكتورة غادة عبدالباري نائب خدمة المجتمع، أما عمداء الكليات، فهم رجال المرحلة، وحملة السارية في هذه المعركة النبيلة، يقفون جميعا على تخوم الصبر والعمل، لا ليديروا مؤسسة، بل ليصونوا إرثا وطنيا لا يقدر بثمن.

إنها مسؤولية تاريخية تتجاوز حدود المكاتب، إلى آفاق المجد والبناء، وإن الرؤية التي يحملونها اليوم، مع ما يتصفون به من وحدة وتكامل في الصف، وقوة في القرار، تجعلهم في صميم الاهتمام، ونقطة ارتكاز في مستقبل الوطن، فهم ليسوا فقط في قلب المشهد، بل هم من يصوغون المشهد، يكتبونه بعقولهم، ويحمونه بضمائرهم، وينهضون به بعرقهم ووعيهم وإيمانهم بأن جامعة القاهرة لا تقاد إلا بعقل يعشق مصر، وقلب ينبض بها.

هنا... جامعة القاهرة، هنا حيث لا يموت المجد، ولا يخبو النور، ولا تنكسر القامات، هنا حيث تسكن العقول الراجحة، وتنهض الأرواح الباحثة، وتصاغ هوية الوطن حرفا حرفا، على سطور من العلم والتاريخ والعزة، هنا حيث تكتب فصول الحضارة بأقلام لا تعرف التراجع، وعقول لا تعرف السكون، وقلوب لا تنبض إلا باسم مصر، هنا جامعة القاهرة... منارة الأمة، ومصنع القادة، ومحراب الفكر، وحصن الوطن إذا ضاقت السبل.
سلام عليكِ أيتها الجامعة العريقة... سلام على قبابك، على قاعاتك، على ماضيكِ المُشرق وحاضركِ النابض ومستقبلكِ الذي ينتظر أن تكتبيه كما اعتدتِ: بمداد العزة والمجد والانتماء.
هنا جامعة القاهرة... حيث تبدأ الحكاية، ولا تنتهي.
وللحديث بقية..

search