الخميس، 21 أغسطس 2025

10:15 م

هل تحتاج مصر حقا إلى مرصد للتقييم وصنع السياسات؟

شهدت مصر مؤخرًا توقيع بروتوكول تعاون لتأسيس "المرصد المصري للتقييم وصنع السياسات"، وهو كيان جديد يضم وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، ومعهد التخطيط القومي، والمبادرة الدولية لتقييم الأثر، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مجرد إضافة مؤسسية جديدة، لكن في واقع الحال هو خطوة استراتيجية مهمة في مسار الإصلاح الإداري والتنموي للدولة المصرية، إذ يعكس توجها واضحًا نحو جعل السياسات العامة أكثر علمية، وأكثر ارتباطا بالبيانات والأدلة، وأبعد عن القرارات الارتجالية.

تأتي أهمية المرصد في هذا التوقيت تحديدًا من أن مصر تنفذ حزمة واسعة من برامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، وتتحرك نحو التحول الرقمي والتحول الأخضر، وهي تحولات كبرى تتطلب أدوات قياس دقيقة لتحديد أثرها الفعلي على الاقتصاد والمجتمع.

كما أن صدور قانون التخطيط العام رقم (18) لسنة 2022 منح وزارة التخطيط ولاية واضحة في مجال المتابعة والتقييم، وهو ما يجعل وجود كيان متخصص في هذا المجال أمرًا ضروريًا لترجمة هذا الدور إلى سياسات عملية، أضف إلى ذلك أن السياق الدولي يفرض على الحكومات الالتزام بمعايير الشفافية والمساءلة، وهو ما يستدعي إنتاج تقارير ومؤشرات مبنية على تقييم علمي وليس مجرد تقديرات أو اجتهادات.

الفوائد المباشرة لهذا المرصد متعددة، فهو يعزّز كفاءة الإنفاق العام من خلال التأكد من أن الموارد التي تنفق على البرامج الحكومية تحقق نتائج ملموسة تعود بالنفع على المواطن، كما يسهم في تحسين عملية صنع القرار عبر إمداد صانع القرار بأدلة علمية دقيقة تقلل من مساحة الاجتهاد وتزيد من فرص اتخاذ قرارات رشيدة. كذلك يمثل المرصد أداة لبناء قدرات الدولة، إذ سيوفر تدريبًا متخصصًا للعاملين في الجهاز الإداري على أحدث أدوات المتابعة والتقييم، ما يرفع من كفاءتهم ويطور أداءهم المؤسسي، كما يساعد في ضمان استدامة التنمية عبر متابعة تنفيذ رؤية مصر 2030، وقياس التقدم في تحقيق أهدافها، وربط ذلك بالأهداف الأممية للتنمية المستدامة.

الأهمية لا تقتصر على المستوى الوطني، بل تمتد إلى المستوى الدولي أيضًا، فوجود مرصد متخصص للتقييم وصنع السياسات يضع مصر في موقع متقدم بين الدول النامية، ويزيد من قدرتها على جذب الاستثمارات والشراكات الدولية، لأنها تقدّم نفسها كدولة تتبنى سياسات مبنية على منهجيات علمية قائمة على الأدلة، وليست قرارات عشوائية، وهذا بدوره يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع الدولي، كما يعزز ثقة المواطن في أن السياسات المعلنة قابلة للقياس والتقييم، وليست مجرد وعود أو خطط على الورق.

في ظل هذه المعطيات، يصبح السؤال عن جدوى المرصد في غير محله، فالحاجة إليه باتت ماسة، ليس فقط لضبط الأداء الحكومي، ولكن أيضا لتأمين مسار التنمية المستدامة وضمان أن كل سياسة أو برنامج يحقق الهدف منه بكفاءة.

إن المرصد ليس رفاهية إدارية ولا إضافة بيروقراطية جديدة، بل هو أداة إصلاحية ستعمل على تعزيز الشفافية، ورفع كفاءة الأداء، وضمان استدامة البرامج التنموية. ومن ثم فإن النقاش الحقيقي لا يجب أن يكون حول "هل نحن بحاجة إلى مرصد؟" بل حول "كيف نجعل منه أداة فعالة تحقق أقصى فائدة لمصر في مرحلتها الراهنة والمستقبلية؟".

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف سيضمن المرصد أن تقاريره لن تتحول إلى أوراق محفوظة لا يلتفت إليها أحد؟ وكيف سيتعامل مع الجهات الحكومية التي قد ترى أن تقييم أدائها يكشف جوانب قصور؟ وهل سيعلن نتائجه بشفافية أمام الرأي العام؟

لا شك أن هذا المشروع سيكون ناجحًا إذا توافرت له الإرادة السياسية والموارد المالية والدعم المجتمعي الكافي، ولكن تبقى الأسئلة الجوهرية مطروحة..

search