من الورقة الدوارة إلى المرشح الفضائي.. هل ينتصر الناس لمن يستحقهم؟
حسبما أذكر، في إحدى الانتخابات البرلمانية السابقة في بداية الألفية الحالية، كانت الأحداث ساخنة بإحدى الدوائر، والمنافسة على أشدها بين رجل أعمال بالغ الثراء، والمرشح الآخر بسيط لكنه محبوب من الناس، لشجاعته وتواجده الدائم بينهم، وحرصه على تحقيق مصالحهم، فضلًا عن أدائه الرائع في دورة سابقة بمجلس الشعب.
وحتى يتمكن رجل الأعمال من إقصاء منافسه المحبوب، اضطر إلى الإنفاق ببذخ لاستمالة الناخبين، والمفارقة التي استهللت مقالي بها، أن الناس كانوا يأخذون أمواله وينفقونها على حملة المرشح الفقير، الذي نجح في البداية لأنه كان واحدًا من أهل دائرته، يعاني ويفرح ويحزن مثلهم.
ولا شك أن ما حدث في تلك الدائرة وغيرها كان سببًا في تغيير أسلوب استعمال المال السياسي في الانتخابات، وصار شامشرجية المرشحين الأثرياء يقطعون أوراق النقود إلى نصفين، فيعطون الناخب نصفها قبل الدخول إلى اللجنة، ونصفها بعد الإدلاء بصوته حين يأتيهم بدليل على تصويته لمرشحهم، مستخدمين ما يُعرف باسم "الورقة الدوارة".
في دائرتي الانتخابية بندر ومركز شبين الكوم بالمنوفية – على سبيل المثال – ينافس في الانتخابات الحالية المرشح الشاب محمد سعيد زناتي، وقد لاحظت شبه إجماع على أنه خدوم ومخلص ويحظى بمحبة الكثيرين، لذا أتمنى من كل قلبي أن يترجم ذلك عبر صناديق الاقتراع، ولا تخسر الدائرة فرصة تمثيلها بمن يستحق ذلك.
ورغم ذلك، ثمة شكوك كبيرة تراودني في ظل هيمنة المال والنفوذ السياسي على المشهد الانتخابي، فالناس أسرى لاحتياجاتهم، ومن ثم يظل شراء الأصوات سلاحًا لا يملكه سوى المرشحون الأثرياء الذين فاتهم قطار القائمة!
شاهدت فيديو لمرشح في إحدى دوائر الصعيد يقوم بمسيرة داخل سيارة تسلا سايبرتراك، يصل ثمنها إلى نحو 8 ملايين جنيه وربما أكثر، ويجري خلفه البسطاء من أهل دائرته، ولم أفهم فلسفته أو الرسالة التي يريد توصيلها إلى مؤيديه البسطاء!
وبغض النظر عن أنها سيارة تشبه صندوق القمامة، فإن استخدامها في مسيرة انتخابية يعكس قناعة فئة من المرشحين بأنهم فوق الناس وليسوا منهم، وإلا فلا مبرر للتباهي والاستعراض في وقت يفترض أن يكون فيه المرشح أشبه بـ"ناسه" وليس برواد فضاء "ناسا"!
لقد تابعنا بانبهار الانتخابات المحلية لمدينة نيويورك الأمريكية، وكيف حسمها المهاجر الشاب زهران ممداني، الذي كان يعاني في الأمس القريب من تسرب المياه من مغسلة شقته المستأجرة، ويعيش حياة متواضعة مع زوجته السورية الجميلة،
وها هو الآن، بفضل حملة انتخابية متواضعة اعتمدت بشكل رئيس على احترام الناس والنزول إليهم في محالهم ومنازلهم ومقاهيهم، أصبح عمدة لواحدة من أهم المدن في أمريكا، ومجبرًا على الانتقال إلى قصر مهيب عمره أكثر من 225 عامًا.
لا يمكن اختزال الديمقراطية في الانتخابات، لكنها تظل عملية بالغة الأهمية لسبب واحد فقط أتمنى أن يدركه القائمون عليها في بلادنا، وهو "الحلم".
فحسم الانتخابات لصالح فئة معينة بمثابة عملية سطو على أحلام آخرين لديهم رغبة في أداء دور سياسي وخدمي، ولا يمكنهم ذلك في ظل نظام انتخابي يضمن نصف مقاعد مجلس النواب لأهل القائمة، وغالبية النصف الآخر الفردي للمدعومين سياسيًا من الأحزاب القوية.
كلما تابعت تصريحات المسؤولين عن العملية الانتخابية، وقيادات أحزاب "الموالاة" المهيمنة، وتأكيداتهم بأن الانتخابات تشهد تنافسية كبيرة، ولا صحة إطلاقًا لما يتردد حول شراء المقاعد أو غياب النزاهة، أشعر أنهم إما معزولون كليًا عن الشارع، ولا يدركون أن ما يجري وراء الأبواب المغلقة لم يعد سرًا ويتداوله الناس باستنكار أحيانًا وتندر أحيانًا أخرى، أو أنهم مظلومون فعلًا، وهناك تحامل عليهم، وسوف تفرز انتخاباتهم برلمانًا يضاهي مجلس العموم الإنجليزي!
من محبٍّ وعاشقٍ لوطنه، أتمنى مراجعة المشهد، والسماح للشارع أن يتنفس من خلال الانتخابات الفردية، فهي – للمرة الثانية والثالثة والعاشرة والمائة – ليست رفاهية، خصوصًا في الوقت الراهن.
الأكثر قراءة
-
"كارثة طبيعية" على أرض الواقع، سيدة تروي تجربتها مع ولادة 4 توائم
-
"خلصت منهم"، آخر ما كتبه المتهم بإنهاء حياة زوجته وطفله الرضيع بالمنوفية
-
الداخلية تكشف تفاصيل جديدة في جريمة المنوفية
-
مشاهدة مباراة برشلونة سيلتا فيجو في الدوري الإسباني
-
هل ألغت دينا الشربيني متابعة مي عمر بعد دعمها آن الرفاعي؟
-
من الورقة الدوارة إلى المرشح الفضائي.. هل ينتصر الناس لمن يستحقهم؟
-
حل كتاب التقييمات للصف الثاني الإعدادي عربي PDF 2025-2026
-
إجازة انتخابات مجلس النواب، هل تشمل جميع المواطنين؟
مقالات ذات صلة
بعث جديد من قلب مصر.. نحن أولاد الأصول
31 أكتوبر 2025 03:28 م
يوم حزين.. ويوم سعيد
27 أكتوبر 2025 07:34 م
لم يعد سرًا.. فاستقيموا!
23 أكتوبر 2025 06:42 م
احذروا الفوضى.. لا يمكن أن يكون طفلاً!
17 أكتوبر 2025 08:37 م
أكثر الكلمات انتشاراً