الخميس، 12 يونيو 2025

04:33 م

عمرو حسين
A A

الدكتور فرج فودة.. الشهيد الحي

تحلّ اليوم ذكرى استشهاد الدكتور فرج فودة، الذي اغتالته أيادي الغدر وخفافيش الظلام، أولئك الذين اتخذوا من الظلام مأوى لعقولهم، فكانوا للجهل عنوانًا، وللغدر والعدوان مذهبًا.

إن الباحث في أسباب اغتيال الجماعات الإسلامية الإرهابية للمفكرين الكبار لن يجد الأمر معقدًا؛ فهؤلاء لا يحاربون إلا الفكر المستنير، لأن العقل والمنطق والحكمة أعداؤهم. لقد غاب عنهم التفكير، فهم كالأنعام، بل أشدُّ ظُلمًا.

لقد أفتى الإرهابي عمر عبد الرحمن، مفتي الجماعة الإسلامية، بوجوب قتــل الدكتور فرج فودة. وعندما سُئل قاتله عبد الشافي رمضان: "لماذا قتــلت الدكتور فرج فودة؟"، أجاب: "قتـلته بسبب كتبه".
وعندما طُرح عليه سؤال آخر: "وما أسماء تلك الكتب؟"، قال: "أنا لا أعرف القراءة أو الكتابة".

لقد قتــله منطلقًا من الجهل والظلام الفكري، لكن نحن علينا أن نُمعن النظر في فكر هذا المفكر العظيم. لقد كتب فرج فودة ثمانية كتب، كلها تدعو إلى إعمال العقل، كما قال أبو العلاء المعري: "لا إمام سوى العقل".

استخدم فودة منهج المنطق الديكارتي، وفي كتابه العظيم قبل السقوط، توقّع صعود الجماعات الإرهابية مثل داعــش، وصعود الإسلام السياسي إلى حكم بعض الدول. بل تنبأ كذلك بثورة 30 يونيو العظيمة، ثورة الإنسانية، وقال إن المصريين سيثورون على هذا الحكم الإرهابي المتدثر بعباءة الدين. لقد كان سابقًا لعصره وزمانه.

وفي كتابه الحقيقة الغائبة، ردّ فودة، على هلاوس محمد عبد السلام فرج، في كتابه الفريضة الغائبة، واستطاع من خلاله تفنيد الكثير من ادعاءات الجماعات الإرهابية، بل ودعا إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني. 

وضرب مثالًا بالخليفة عمر بن الخطاب، عندما منع الصدقة عن المؤلفة قلوبهم لأن السياق قد تغيّر، وأصبح المسلمون في عهده كثرة بعد أن كانوا قلة في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم. واستشهد أيضًا بموقف عمر عندما قال: "القاتل والمحرض على القتــل سواء".

ومن خلال هذا الكتاب، أوضح فرج فودة، أن نظام "الخلافة الإسلامية" ليس نظامًا إلهيًا، بل كان نظامًا إنسانيًا، ولم يكن النظام المثالي كما يُروج له البعض. واستشهد لذلك بأبي العباس السفاح، أول الخلفاء العباسيين، الذي قتــل عند وصوله إلى الحكم قائد جيشه أبو مسلم الخراساني، ثم قتــل جميع أمراء بني أمية أثناء مأدبة دعاهم إليها، ولم يكتفِ بذلك، بل أحرق جثثهم وأخرج رفاتهم من قبورهم.

كان فرج فودة، من خلال فكره المستنير، جرس إنذار لخطر الإسلاميين على المنطقة. وها نحن اليوم نعيش مآسٍ كبيرة في وطننا العربي بسبب هؤلاء برابرة العصر، الذين كانوا سببًا في دمار سوريا واليمن وليبيا والسودان. لقد أصبح خطرهم عابرًا للحدود.

ومن هنا، تأتي ذكرى استشهاد المفكر العظيم فرصةً كبيرة للتذكير بخطورة هذا الفكر المتطرف. وعلينا جميعًا أن نعيد نشر أفكار فرج فودة وكتبه، حتى تتعلم منها الأجيال القادمة، ونتجنب السقوط مجددًا في فخ الأفكار المنحرفة عن صحيح ديننا الإسلامي الحنيف.

search